هاني لبيب
الحديث عن تطوير الكنيسة المصرية يتضمن تحديث الأنظمة القانونية والإدارية للكنيسة بما يتناسب مع متغيرات العصر من جانب، وبما يتطابق مع الدستور والقوانين واللوائح من جانب آخر. وهو الأمر الذى يجنب الكنيسة ورجالها العديد من المشكلات التى يمكن أن تحدث بسبب عدم الوعى القانونى بالإجراءات الحكومية.
المقصود بالإدارة الكنسية: النظام الإدارى الكنسى بما يتضمنه من جميع اللوائح والإجراءات والقرارات التى تعمل الكنيسة من خلالها سواء داخليًا فى إداراتها اليومية للأنشطة والخدمات، أو خارجيًا فى علاقتها بالأجهزة الحكومية من أجل توفيق الأوضاع واستخراج التصريحات والحصول على الموافقات. لذا تتلازم الأنظمة القانونية مع الإدارية فى تكوين الإدارة الكنسية.
من هذا المنطلق تحتاج الإدارة الكنسية دائمًا لرؤية محددة لتحديد آليات العمل الإدارى على مستوى كنيسة فى منطقة محددة، وعلى مستوى الإيبارشيات (نطاق جغرافى يحتوى على عدد من الكنائس ربما فى جزء من محافظة أو محافظة بالكامل أو عدد من المحافظات). بالإضافة إلى الكنائس المصرية فى بلاد المهجر.
الحديث عن الإدارة الكنسية يعنى بشكل مباشر وجود نظام يتم تطبيقه على الجميع دون استثناء.. فأى استثناء فى النظام بسبب الظروف والاعتبارات والمواءمات هو بمثابة «السوس» الذى ينخر تدريجيًا فى النظام. والاستثناءات تعنى الحكم بالفشل على أى قانون أو لائحة يتم تطبيقها. ولذا من الأفضل دائمًا دراسة القوانين واللوائح بشكل مفصل حتى يتم تدارك أى مشكلة أو ثغرة من شأنها أن تفتح باب الاستثناءات. وذلك على غرار ما حدث مع «لائحة مجالس الكنائس فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية» الصادرة فى شهر يونيو 2013.
أسعد صدور هذه اللائحة العديد من المواطنين المسيحيين المصريين المهتمين بالشأن الكنسى لكونها بمثابة نواة وبداية جديدة مقدرة، وتوسم الجميع فيها أملًا.. خاصة أنها تضمنت تعريفات محددة للكنيسة، والرئاسة الكنسية، ومجلس الكنيسة بتكوينه وعضويته وتشكيله ودورته الزمنية وانقضائه، ومهامه واختصاصاته ولجانه.
أقرت اللائحة مساحة جيدة لمشاركة المواطنين المسيحيين المصريين فى تطبيقها، ولكنها تسببت فى إحباط شديد بسبب أسلوب تنفيذها الذى كان لا بد من أن يتم التعامل معها باعتبارها تجربة تحتاج إلى الرصد والتحليل لمراجعتها من أجل التعديل والتطوير حسب ما يطرأ من مشكلات. ولكن ما حدث أنها تحولت إلى لائحة تشوبها بعض العيوب، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
تنص المادة 11 (إذا حدثت أى مشكلة فى عملية التصويت تؤثر على النتيجة، يحق للرئاسة الكنسية تعيين أعضاء المجلس بالكامل). ولم تحدد اللائحة نوعية المشاكل التى يمكن أن تعوق التصويت على غرار: افتعال الشغب أمام صندوق الانتخابات، أو أى شكل من أشكال التوجيه والتزوير داخل لجنة الانتخاب. إن عدم التحديد من شأنه أن يجعل حق الرئاسة الدينية فى تعيين أعضاء المجلس بالكامل هو قرار شخصى تمامًا لا علاقة له بالمؤسسية.
تنص المادة 15 على: (تشكيل المجلس: تعين الرئاسة الكنسية بالتشاور مع آباء كهنة الكنيسة رئيسًا للمجلس من بين الأعضاء المنتخبين والمعينين). وأرى أنه كان من الأفضل ترك اختيار رئيس المجلس للانتخاب بين الأعضاء أنفسهم حتى نتعلم قواعد الديمقراطية بشكل عملى.. خاصة أن أتباع كل كنيسة لن ينتخبوا سوى من اختبروه فعليًا فى خدماته وتطوعه بالوقت والمجهود، كما أن الأعضاء المعينين غالبًا ما يكونون من الخبراء والمتخصصين حسب احتياج كل كنيسة.
تنص المادة 26 على: (تنفيذ ما جاء باللوائح الداخلية لتنظيم أعمال الكنيسة المالية والإدارية وغيرها، سيرد تفاصيلها كلوائح مكملة لهذه اللائحة). وهى اللوائح التى لم تصدر إلى الآن.. رغم أهميتها على اعتبار أن المشاكل الأساسية دائمًا ما ترتبط بإدارة ميزانية الكنيسة.
الجدير بالذكر، أن هناك بعض المواد التى تستحق الإشادة والتقدير، على غرار:
شروط عضوية المجلس حسب نص المادة 13، وما تضمنته من تنوع يضم المرأة والشباب، وألا يكون من العاملين بالكنيسة بأجر، وألا يكون عضوًا فى مجلس كنيسة أخرى أو فى المجالس الملية. وهو ما من شأنه أن يزيد من مساحة المشاركة فى صناعة قرارات الإدارة الكنسية. وهو الأمر الذى ينطبق على المادة 27 (الاشتراك فى تزكية خدام المذبح – أى رجال الدين - .. الآباء الأساقفة والآباء الكهنة والشمامسة المكرسين).
تنص المادة 22 فى أحد أسبابها عن انقضاء المجلس الكنسى (صدور قرار بتعيين مجلس جديد من الرئاسة الكنسية بعد حل المجلس القديم لأى سبب يقتضى ذلك). ثم تنص المادة 64 (للرئاسة الكنسية المختصة أن تصدر قرارًا مسببًا بحل مجلس الكنيسة وتعيين مجلس مؤقت لمدة سنة من بين أعضاء الكنيسة ممن تنطبق عليهم الشروط). وهى مادة تدعم الشفافية فى التعامل بعيدًا عن شخصنة الخلافات واختزالها فى أعضاء المجلس أو غيرهم.
تنص المادة 28 على: (تعيين الموظفين والعاملين بالكنيسة وتحديد اختصاصاتهم ومسئولياتهم). وتنص المادة 29 (بحث الاقتراحات والشكاوى المقدمة وإنجاز القرارات الكفيلة بحلها، عدا ما يتعلق منها بالإكليروس فهذا متروك للرئاسة الكنسية المختصة). وتنص المادة 31 على: (الإشراف على أملاك الكنيسة ويكون الشراء أو البيع أو الرهن أو الاستدانة بموافقة وتوقيع الرئاسة الكنسية). وهو ما يعنى المزيد من تفعيل دور هذه المجالس وأهميتها.
تنص المادة 34 على : (بناء علاقات مسيحية طيبة مع جميع كنائس الطوائف المسيحية الأخرى تحقيقًا للروح المسيحية وأيضًا مع المساجد والمؤسسات الإسلامية، وتدعيم علاقات المحبة مع السلطات المدنية المحلية). وهى مادة رائعة لدعم نسيج التماسك الاجتماعى بين أبناء الوطن الواحد بشكل عملى وإيجابى. كما تدعم المادة 36 مشاركة المواطنين المسيحيين المصريين وتحفزهم على الانضمام للجان المجلس حسب اهتماماتهم حيث تنص على: (لكل عضو من شعب الكنيسة أن يتقدم برغبته فى الانضمام إلى اللجنة أو اللجان التى تناسبه).
وتنص المادة 52 على: (تعلن قرارات المجلس التى تهم شعب الكنيسة بلوحة الإعلانات المخصصة لذلك، ولا يجوز لأعضاء المجلس الإدلاء بأى تصريحات بشأن أعمال المجلس)، وهو ما يعنى المزيد من الشفافية فى عمل تلك المجالس بشكل معلن أمام الجميع.
أعتقد أنه بالإضافة إلى ما سبق، يمكن أن يكون هذا المجلس بمثابة بوتقة صناعة القرارات الإدارية والقانونية للكنيسة لتفادى العديد من الأخطاء الناتجة عن عدم وجود وعى قانونى ومعرفة بالشروط والإجراءات، مثلما حدث فى العديد من قضايا مخالفات البناء المرفوعة على كهنة الكنائس. وما يمكن أن تقوم به هذه المجالس بضبط العلاقة القانونية مع الدولة وأجهزتها المتعددة.. خاصة بعد صدور القانون رقم 80 لسنة 2016 بشأن تنظيم بناء وترميم الكنائس، حيث يتم البناء والهدم والترميم من خلال تقديم الطلبات للمحافظ، والرد خلال 4 شهور، والطعن فى حالة عدم الرد بأسباب منطقية لتداركها أو تصحيح أوضاعها. وهى حالة جديدة عما كان يحدث فى الماضى من اللجوء إلى البناء والترميم دون تصريح بسبب التضييق الإدارى والقانونى على الكنائس.
لا أعتقد أن الكنيسة تهدف إلى إصدار لائحة لا تريد تطبيقها، أو تطبيقها بشكل فاشل، أو عدم احترامها بحجب نتيجة التصويت لحين عرضها على الأسقف المسئول أو على البابا مثلما حدثت فى العديد من مجالس الكنائس عند تطبيقها. وهو الأمر الذى يفتح باب التشكيك فى شفافية صحة نجاح المنتخبين ونسب أصواتهم، كما يفتح بابًا لسؤال منطقى: لماذا أصدرت الكنيسة اللائحة من الأساس، ولماذا أقرت الانتخابات؟!
أعتقد أنه قد آن الأوان لمراجعتها، وتفعيلها بشكل حقيقى، والنص على مراجعتها بشكل دورى كل سنة. وهو أمر يحتاج إلى قرار بابوى ليتم تطبيقه بمساندة المجمع المقدس بشكل حاسم.
نقطة ومن أول السطر..
ربما نجد بعض الأساقفة أو بعض الكنائس ممن يطبقوا «لائحة مجالس الكنائس فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية» بشكل متطور وإيجابى. ولكن يظل الانطباع العام أنها لائحة تحتاج إلى تفعيل حقيقى بمراجعتها وتعديلها وتطويرها للأفضل.
الكنيسة هى مؤسسة روحية، وليست حكومية أو قطاع خاص. لذا يجب ترسيخ العمل المؤسسى للإدارة الكنسية من خلال نظام واضح ومباشر للتعامل مع المشاكل والمتغيرات والضغوط.. بعيدًا عن المركزية.. خاصة فى سرعة اتخاذ قرارات التعاملات اليومية.
نقلا عن روز اليوسف