سحر الجعارة
هى «قطرة الندى» الطاهرة حين تداعب أوراق الزهور لتتراقص حين تعانقها.. هى «الوردة» الخجول حين تتفتح لتستقبل ربيع «عمرها القصير».. لم تدرك أن قدميها مغروستان فى وحل النميمة والتنمر الإلكترونى، وأن الأشواك (ابن عمها) تتربص بملمسها الحريرى، تتحين لحظة اغتيالها وإسقاطها فى دنس الغرائز الهمجية التى تدوس الجمال وتغتال الأنوثة لتثبت للبعض أن «الواد دكر»!
هى «بقعة الدم» التى اختزل فيها الخالق «شرف أبيها».. هى «زغرودة الأم» التى تحولت إلى صراخ وعويل.. هى «فستان الزفاف» الذى مزقته أيادى الغدر والكفر المتلفح بعباءة الرجعية.. هى: «الصواب»، ونحن وحدنا نتحمل الخطايا.. «الجمال» حين ينهار فى مواجهة القبح.. «الحرية» فى زمن النخاسة المشرعنة.. «الأنوثة» فى بلد يغلظ عقوبة التحرش والتنمر.. ولكن قد يُفلت الجانى من جريمته لعدم كفاية الأدلة أو لأنه «قاصر»!
هى «بسنت خالد» بحجابها الرقيق ووجهها البرىء، «طفلة» تتهيأ لاستقبال شباب لم يأت، وفرحة لم تتم، و«فارس أحلام» لم يخطفها على حصان أبيض بعيداً عن ذلك العالم الموبوء بالخطايا.. فمدت الملائكة أيديها والتقطتها.
لم تنتحر «بسنت»، لقد قتلوها ألف مرة، هتكوا عرضها، وغرسوا سكاكين شهوتهم الآثمة فى كل مكان طالته ألسنتهم.. التهموا لحمها الطرى النيئ وهم يتلذذون بملمس الفريسة وكأنما يلتهمون الفضيلة والعفة (تلك التى قد تدفع أحدهم لقتل أخته أو أمه أو زوجته دفاعاً عن الشرف).
كانت «مفزوعة»، تهرب من جريمة لم ترتكبها، تهرب من مصاصى الدماء وسارقى الأعراض.. خائفة، مذعورة، خجولة من تهم مشينة لم تشارك فيها!.. لم تجد من يحتضنها ويضمها لصدره ويحميها من العار إلا ملاك الموت.. فابتلعت حبة الغلة وفرت معه منا.. من مجتمعها وشباب بلدتها وابن عمتها ونظرة الانكسار فى عيون أهلها ورفيقاتها.
«النيابة العامة»: (تهيب النيابة العامة بالمشرّع المصرى إعادة النظر فى تغليظ عقوبات جرائم انتهاك حرمة الحياة الخاصة والتهديد إذا ما أفضى بالمجنى عليه إلى التخلص من حياته، وكذا النظر فى تجريم بيع وتداول حبوب حفظ الغلال لغير المختصين باستخدامها، وتشديد العقاب على بيعها للأطفال).. «بسنت» راحت -سيادة المستشار- ونحن عاجزون، لم يحمها أحد منا ولن نستعيدها!.. وفى هذا البلد ملايين «بسنت» يناشدونكم «العدالة الرادعة».
فى سبيل العدالة: قررت النيابة حبس متهمين اثنين احتياطياً على ذمة التحقيقات لاتهام أحدهما «بهتك عرض الطفلة» التى لم تبلغ 18 سنة بعد، و«استباحة عموم جسدها، وتهديدها بإفشاء صور فوتوغرافية ومقطع فيديو منسوبين لها حصلا عليها خلسة، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعى».
كما اتهمت الاثنين «باعتدائهما على حرمة حياة المجنى عليها الخاصة، ونشرهما علناً تلك الصور والمقطع بغير رضاها، وتعدِّيهما بذلك على المبادئ والقيم الأسرية فى المجتمع المصرى».
وماذا تفعل «الضحية» فى مجتمع وصمها دون أن تثبت ضدها أى جريمة: «المدرسة، شيخ الجامع، مدعو الفضيلة الذين يلحون باستمرار للشك فى سلوك الضحية هؤلاء من سلخوها قبل وبعد ذبحها».. من المسئول الحقيقى عن اغتيالها بعد ابتزازها؟.. أليس من حرّض على مفاخذة الصغيرة و«وطء المربربة» وألهب خيال الشباب ومنحهم هرمون «الهلاوس الجنسية»؟.. أليس من حرّم الفنون وأثّم الثقافة واعتبر أن المرأة كلها «عورة» وأن المتعطرة كالزانية وأنها تقطع الصلاة ويتبعها الشيطان؟
فتشوا عن هؤلاء.. عاقبوهم.. طاردوهم على المنابر والسوشيال ميديا.. بناتنا ضحية تراثنا الدينى المحنط المخلوط بالأساطير.. تراث لا عنوان له إلا «أوهام الفحولة».
نقلا عن الوطن