هاني لبيب
قامت الدولة، منذ 30 يونيو 2013 وإلى الآن، بجهود واضحة تمت ترجمتها إلى قرارات وإجراءات وقوانين وتشريعات فى سبيل تحقيق المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة، ولكن لا يزال دور المثقفين والمفكرين والكُتاب والسياسيين فى هذا الأمر قيد الإعداد دون اتخاذ موقف حقيقى شامل ومؤثر.

لا يزال الخطر الكامن هو فى الخطاب الذكورى والأبوى المجتمعى. وهو خطاب يتسم بكونه حَمّال أوجه. فى العلن هو نموذج يستحق التقدير فى الحديث عن حقوق المرأة ومكانتها فى الأديان، وفى الحقيقة لا يرفض ختانها أو إهانتها أو ضربها أو ممارسة أشكال العنف ضدها فى حالات يُقنِّنها حسبما تذهب ذكوريته الرجعية والمتخلفة.. مستندًا إلى تراث شرعى هو فى حقيقته تأويل موجه على العكس من صحيح النصوص الدينية.

الخطورة فى تحليل قضية حقوق المرأة هى العنف العائلى والمنزلى غير المعلن، والمرتكز على العديد من التفسيرات الدينية التى ترسخ المفاهيم الذكورية.. تلك المفاهيم التى تضع الرجل قبل المرأة، وتضع المرأة تحت قيادة الرجل، وتضع الرجل على رأس المرأة، وتضع المرأة باعتبارها مجرد وسيلة للاستهلاك الجنسى وأداة للمتعة حسب الطلب. وهو الأمر الذى ينتج عنه المزيد من القهر والظلم والمعاناة فى التعامل مع المرأة باعتبارها غير إنسانة دون عقل أو فكر أو شخصية مستقلة. وربما يكون ما سبق هو السبب الأساسى فى دفع العديد من الفتيات أو السيدات إلى الانتحار بعد تعرضهن لأشكال متعددة من التحرش والتنمر والابتزاز إلكترونيًا مثلما حدث بكثافة خلال الفترة الماضية.

تم تحرير المرأة قانونيًا وتشريعيًا، ولكن لا تزال تحتاج إلى التحرير من الموروثات والعادات والتقاليد البالية، التى تتعامل معها باعتبارها كائنًا تابعًا لا عقل له أو دين، تحرير المرأة من حالة تنميط المجتمع لها وتصنيفه لها بالشكل الذى يسمح بممارسة كل التجاوزات ضدها.

الغريب دائمًا أن المتدينين شكلًا ومظهرًا هم أكثر الفئات من أصحاب المواقف ضد المرأة، وهم أكثر الفئات توظيفًا للدين بعكس حقيقته لتبرير أفكارهم وتصرفاتهم ومواقفهم. وهى مواقف تستند مرجعيتها إلى ثقافة ذكورية مرتكزة على عادات وتقاليد المجتمع الأبوى وعلى خبرات سلبية فى التنشئة وخبرات حياتية مضطربة.

المتدينون شكلًا وزورًا وبهتانًا يعتمدون فى مواقفهم على المساحات أو المناطق أو النقاط العمياء.. لترى ما تريد أن تراه، وتتجاهل رؤية الصورة بالكامل وعلى حقيقتها.. لأن رؤيتها منقوصة تساعد على ترسيخ صورتها المُشوَّهة دائمًا عقلًا وفكرًا ودينًا.. مما يبرر كل ما يتم ضدها من تمييز فى المساواة فى كافة الحقوق والمجالات، واستبعادها من مكانتها الحقيقية مع الرجل بالدرجة نفسها، وإقصائها من القيام بدور فعال خوفًا من نجاحها وتفوقها وتميزها، وتشويه لدورها الحقيقى فى المجتمع، وانتقاص من قدْرها وقدراتها التى ربما تفوق الرجل بمراحل، والتعامل معها دائمًا باعتبارها صفقة لتحقيق أهدافهم ورغباتهم ومشروعاتهم الشخصية.

نقطة ومن أول السطر..
نطالب بتجديد الفكر الدينى. ولكن فى الحقيقة نحتاج إلى تجديد الفكر الثقافى المصرى لإعادة صياغة العقل الجمعى المصرى، الذى ظل أسيرًا لنشر الأفكار المتشددة والمتطرفة لأكثر من نصف القرن بعد ثورة يوليو 52 بشكل ناعم وممنهج، وبعيدًا عن قوة الدولة وأدواتها فى استغلال موجه لتوظيف الدين واستخدامه لتحقيق أهداف تحويل العقل المصرى من الوسطية والتسامح إلى التشدد والتطرف والتحريم والتكفير.
نقلا عن المصرى اليوم