عاطف بشاي
مازال «أمير الطرب» سادرًا فى نزاله المصيرى ضد «حمو بيكا» وأقرانه من مطربى المهرجانات- كما أطلق عليهم، أو كما أطلقوا هم على أنفسهم- باعتبار أن ما يقدمونه من أغان يتصف بالبذاءة والتدنى ويخدش الحياء العام ويسىء لسمعة «مصر»، ويهدم ثوابت الفضيلة التى تبكى وتنتحب من الاعتداء على قدسية أركانها القيمية ودعائم مبادئها الأخلاقية، وقد انتهت الجولة الأولى من النزال إلى فشل أمير الطرب الذريع فى القضاء على وجودهم قضاءً مبرمًا رغم التهديد والوعيد من جانبه، بصفته كنقيب لنقابة المهن الموسيقية وراعيها وحارسها الأمين على مصالحها فى مسيرة الفنون الراقية المحتشمة والنظيفة والمعقمة والوقورة.. وفى مواجهة صيحات أنصار الحرية والتعبير والحريات العامة واستنكار محاكمة الفن محاكمة أخلاقية، لكن النتيجة جاءت كما لا يشتهى النقيب ولجنة وصايته ومحاكم تفتيشه التى قضت بملاحقة الشرذمة الباغية أمنيًا ومنع 19 مطربًا منهم من العمل وسحب تصاريحهم السنوية.. فواصلوا انتشارهم السريع وجهادهم المريع ونجاحهم الفظيع وسعيهم البديع فى إفساد أذواق جماهير المتلقين والمريدين.. فعاثوا فى الأرض نشوزًا، وجماهير تتعاطف معهم بصفتهم مضطهدين ومجنيا عليهم، باعتبار أن الممنوع مرغوب وأن «قطع العيش حرام».
ولم ييأس النقيب وقرر خوض الجولة الثانية من المعركة المحتدمة بمناورة عبثية، مقررًا الموافقة على استمرارهم فى غيهم وتواصلهم الذميم فى ذيوع القبح والإسفاف فى ربوع المحروسة.. وفى حفلاتهم الصاخبة وإحيائهم ليالى الأفراح الملاح فى أرجاء الدول العربية والشرق الأوسط.. لكن موافقته هذه مشروطة وتعليماته حاسمة مرهونة باستجابتهم للتنكر، بإلغاء هويتهم والتنازل عن أسمائهم الشهيرة واستبدالها باسماء أخرى مستعارة تشى بانتماءات لشرائح اجتماعية راقية تخفى أصولهم الحقيقية الشعبية البسيطة، والأحياء العشوائية التى خرجوا منها ليثبتوا للعامة والخاصة أنهم قد ولدوا من جديد فى ثياب عصرية وانتماءات طبقية رفيعة الشأن والمقام، ومظاهر مخملية تنتمى إلى البرجوازية الجديدة وتجمعهم بصفوة «الاليت» وأولاد الذوات المحدثين الذين يسكنون قصور الكومباوندات ويمتلكون الطائرات الخاصة واليخوت المبهرة والسيارات المصفحة العملاقة التى تدهس المارة من أبناء الفقر، ويأكلون الفيليه بكريمة «عش الغراب» و«ايمانسيه زيوريكواز» ويلعبون الجولف والكروكيه..
وقد تناسى النقيب أن عمالقة الغناء وعلى رأسهم «محمد عبد الوهاب» الذى بدأ حياته يعمل كصبى ترزى، ينتمى إلى طبقة شعبية فقيرة وغنى فى صباه المبكر موشح «ملا الكاسات وسقانى».. وأم كلثوم العظيمة بدأت حياتها الفنية جوالة فقيرة فى الريف المصرى وغنت موشح «غزال تركى/ ملقى من الهجر/ ناديت يالله نصلى/ يا يوسف العصر.. وكانت قد حفظت هذا الموشح- كما أورد كمال النجمى فى كتابه تراث الغناء العربى- وغنته فى كشك الأزبكية من دون مرافقة الآلات الموسيقية وتلبس ما يشبه الجبة وعلى رأسها كوفية وعقال.
المهم أن قرار النقيب الملزم بتغيير الأسماء التى يرى أنها «بيئة» أو سوقية إلى أسماء «سينييه» متحضرة، هو شرط أساسى حتى يسمح لهم بالقيد بالنقابة ومن ثم يصير لهم الحق فى الغناء المباح.
جمعنى لقاء مع صديق لى شغوف بدراسة تراث أهل المغنى والطرب، وقررنا أن نساند بعض هؤلاء المطربين الذين وافقوا على الرضوخ لفرمان النقيب بتغيير أسمائهم «البيئة» إلى أسماء عصرية.. واتفقنا أن يغير «حمو بيكا» اسمه إلى «سمسم اسكالوب»، وشاكوش إلى «مونى كافيه»، وعنبة إلى «سونى كافيار» ووندر التوت إلى «فافى كريز»، واتقفنا عند لقب لاحظنا أنه كان شائعًا للمغنيات والراقصات فى الفرق الفنية الموجودة فى شوارع «كلوت بيه» و«عماد الدين» زمان هو «شخلع»، مثل «أمينة شخلع» صاحبة أغنية «قولوا لعين الشمس ما تحماش أحسن غزال البر صابح ماشى».. وسنية شخلع صاحبة أغنية «انصفنا يابا دا احنا غلابة.. حانحشش فين.. دى بقت الوقية بميتين.. بصى يا حكومة انتى الملومة.. الكيف يا بيه.. فصه بجنيه.. مانزلتوش ليه فى التسعيرة».. ولبيبة شخلع صاحبة أغنية «حبيبى غاب وقلبى داب وبقاله زمان مابعتش جواب»..
فاقترحت على صديقى بما أن لقب شخلع يناسب المطربات فالأوفق أن يناسب المطربين الرجال لقب «لعلع»، واتفقنا أن يغير شواحه اسمه إلى «زيزو لعلع».. ثم ما لبث أن نبهنى صديقى أنه قد تمتد سلطة النقيب لتطول الكتاب الصحفيين والأدباء، فمن باب الاحتياط تغيير اسمى من «عاطف بشاى» إلى «عاطف اسبرسو».
نقلا عن المصرى اليوم