هاني لبيب
بمجرد نشر أخبار عن رحيل د. سيد القمنى.. بدأت كتابات من الفرح والتشفِّى والسرور فى موته بشكل فج، يتعارض مع قيمنا المصرية الأصيلة وعاداتنا فى احترام هيبة الموت وجلاله. وقطعًا أصحاب هذا الاتجاه هم من أتباع جماعات التشدد والتطرف والإرهاب، الذين يمثلون استمرارًا لتيار شيوخ الحسبة والتكفير الذين برزوا فى ثمانينيات القرن الماضى.
كان أهم ما يميز شيوخ الحسبة والتكفير هو هوسهم الدينى الزائف الذى جعلهم فى أسْر تصورات تتجاهل غيرهم، ولا تفترض فى غيرهم أفكارًا وقيمة وإسهامات لأنها ضد مشروعهم الافتراضى باعتبارهم وكلاء السماء على الأرض.
د. سيد القمنى واحد من الباحثين فى التاريخ الدينى له إنتاج فكرى من كتابات وإسهامات.. أثارت الجدل لكونها تتعلق بقضايا شائكة. ويُحسب له أنه من أوائل مَن تعرضوا لتلك الموضوعات بشكل يبدو صادمًا للبعض، وجميع مواقفه كانت ضد أتباع جماعات الإسلام السياسى بتنويعاتهم بشكل مباشر وواضح لا لبس فيه. ومن أشهر كتبه: «الحزب الهاشمى»، و«حروب دولة الرسول»، و«النبى إبراهيم والتاريخ المجهول»، و«رب هذا الزمان».
تميز د. سيد القمنى باتباعه منهج التحليل السياسى والاقتصادى فى علاقته بالمنظومة الدينية. وسواء اتفق البعض أو اختلف معه فهو يُعد امتدادًا لمدرسة فكرية لها أبعاد متعددة فى مقاومة الجهل والخرافات. وهى مدرسة فكرية منهجها الأساسى هو مناقشة ما يعتبره البعض ثوابت رغم أنه اجتهادات قابلة للنقاش والتغيير. وهى تضم الشيخ على عبدالرازق ود. طه حسين ود. نصر حامد أبوزيد ود. على مبروك، كما تضم المستشار سعيد العشماوى ود. رفعت السعيد ود. فرج فودة والشيخ خليل عبدالكريم. وهى مدرسة حاربت التطرف والإرهاب والتخلف والرجعية والارتداد الفكرى ومحاكم التكفير والتفتيش بالقلم والكلمات، وليس بالتكفير والتفجير.
وصف البعض د. سيد القمنى بالمارق والمرتد، ووصل ببعضهم أن طالب بعدم الصلاة عليه حتى يستكملوا مسيرتهم فى اغتياله معنويًا فى حياته.. بتشويه تاريخه بعد وفاته. وهو الأمر الذى يتكرر مع كل مَن يمس قلاع التطرف والتعصب التى شيدوها منذ أكثر من نصف القرن فى المجتمع المصرى للسيطرة عليه من خلال أفكارهم الدينية الافتراضية التى صدّروها لنا باعتبارها ثوابت.. رغم كونها ضد صحيح الدين. ومواقفهم وتصرفاتهم المشينة نموذج دال على ذلك.
العار لأسلوب نبّاشى العقول والقبور فى الهجوم على شخص أيًا كان مَن هو لتشويهه بعد رحيله، والمجد لمَن يختلف فكريًا بتقديم وجهة نظر مُقدَّرة للرد عليه فى إطار قواعد حرية الرأى والتعبير.. بعيدًا عن الشخصنة، وبعيدًا عن تسطيح الخلاف الفكرى باعتباره خلافًا دينيًا.
أختلف شخصيًا مع بعض أفكار د. سيد القمنى، ولكنى أحترم هذا الاختلاف فى إطار العقل والتفكير، وليس فى إطار الجهل والتكفير. أؤمن بالحوار والنقاش، ولا أعتقد فى التكفير والتخوين.
نقطة ومن أول السطر..
إلى وكلاء السماء على الأرض.. الموت ليس عقوبة على أى إنسان.. جميعنا سنموت.. مثلما حدث لكل تجار الدين.. لستم مُخلَّدين.. سوى فى مجلدات توثيق جرائم التعصب والتطرف والعنف والإرهاب ضد الإنسانية. سيذكركم التاريخ باعتباركم مجرمين، وسيذكر غيركم باعتبارهم مجتهدين.
ولكم فى التنوير والاجتهاد والتفكير.. حياة إنسانية.
نقلا عن المصرى اليوم