الأب رفيق جريش
لست متخصصًا فى السياسة، ولكن كمواطن مصرى أراقب ما تقوم به الدولة المصرية فى السنوات الأخيرة من اهتمامها بالقارة الإفريقية بعد سنوات طوال من الإهمال الشديد رغم التطلع الدائم للدول الإفريقية لمصر باعتبارها الشقيقة الكبرى ذات الحضارة العريقة والخبرة الكبيرة، خاصة أن مصر فى الستينيات كان لها دور كبير فى مساندة الدول الإفريقية فى نيل استقلالها من الدول الاستعمارية، مما جلب على مصر كثيرًا من الحقد والانتقام من تلك الدول الاستعمارية وحفظت الدول الإفريقية لمصر جميلها. إلا أن قادة الثمانينيات لم يهتموا كثيرًا بإفريقيا رغم أن تلك الدول ساندت مصر فى كثير من المواقف، خاصة فى الحروب العسكرية والسياسية مع إسرائيل.
ويجب أن أذكر الأستاذ الدكتور بطرس بطرس غالى، الذى أثناء قيادته لوزارة الخارجية وكوزير دولة، اهتم كثيرًا بالدول الإفريقية والعمل على النهوض بها فى جميع الأوجه وارتبط بكثير من الصداقات مع قادتها، ولكن الأمور لم تسر كما كان ينبغى لأسباب كثيرة ليس هنا مجالها.
وإذا تأملنا فى خريطة مصر سنرى أنها تشبه الشجرة، فالدلتا تفتح ذراعيها نحو العالم شمالًا رامزة بذلك إلى انفتاحها نحو العالم وأيضًا مستقبلة العالم بشعوبه المختلفة وأفكاره وعاداته المتنوعة، ولكن جذور تلك الشجرة مغروسة جنوبًا فى قلب إفريقيا رامزة بذلك إلى أصالتها الإفريقية، ولا عجب فى ذلك، فمنذ قدماء المصريين مرورًا بالحملة الفرنسية والخديو إسماعيل والمستعمر الإنجليزى وغيرهم، نظموا حملات ليست فقط عسكرية ولكن مع مكتشفين وعلماء فى كل التخصصات لاستكشاف الأراضى الإفريقية انطلاقًا من الحضور والخبرة المصرية، وبسبب قادة الثمانينيات الذين ضبطوا بوصلة مصر على بلاد الغرب، وتحديدًا غرب الغرب، أى الولايات المتحدة وبلاد غرب أوروبا، حيث أفهمونا أنهم مصدر المساعدات العسكرية والمدنية لمصر التى ستُحدث جوعًا لو لم تأتِ هذه المساعدات، وأن العلماء والتقدم العلمى والتكنولوجى لا يأتى إلا منهم، وتناسوا أن البوصلة تلف 360 درجة من الشمال الشرقى والشرقى الشرقى والجنوب الغربى وخاصة الجنوب الجنوبى حيث الجذور ومنبع النيل، ولكن الآن دولتنا تقرأ الجغرافيا جيدًا.
فمصر بموقعها الفريد فى وسط العالم (حتى لا أقول سُرتها) هى مصر لكل الاتجاهات، وهذه هى رسالتها تجاه الإنسانية منذ فجر التاريخ، لذا علينا أن نكون دولة قوية وشجرة راسخة لا تهزها أى ريح معاكسة.
يجب ألا ننسى أن كثيرًا من الدول الإفريقية هى امتداد طبيعى لمصر، خاصة الدول التى على ساحل البحر الأحمر الذى يؤدى إلى باب المندب، والذى يؤدى بدوره إلى قناة السويس، فمن المهم أن تستقر هذه المنطقة، ولا تكون قناة السويس عرضة لبعض المغامرات مثل التى جرت من قراصنة صوماليين أو مسلحين فى اليمن يهددون استقرار تلك المنطقة، ونحن على ثقة أن عيون قادتنا مسلطة على ما يجرى فيها.
أخيرًا، مصر كانت فى الماضى وإلى الآن ترسل خبراء ومساعدات لتلك الدول الإفريقية الشقيقة، ولكنها كانت متواضعة أمام المتطلبات الكبيرة للدول الإفريقية وأمام ميزانية مصر المحدودة نسبيًا أيضًا. لذا أدعو إلى توطيد العلاقات الاقتصادية بجانب السياسية مع الدول الإفريقية لاسيما الواقعة حول ممرى النيل والبحر الأحمر، ولا تترك الساحة كاملة لغيرنا، فقد حان الوقت أن تزيد الشركات المصرية استثماراتها فى تلك المنطقة، التى هى امتداد طبيعى لمصر، والتى ستزيد من الالتحام بأشقائها الأفارقة، وذلك لخير الجميع.
نقلا عن المصرى اليوم