القس رفعت فكري سعيد
اعتدنا عندما نتحدث عن شخصٍ ما رحل عن عالمنا أن يبدأ حديثنا كله بكلمة (كان)، وهذا معناه أننا نتحدث عن ماضٍ لم يعد له حاضر ولن يكون له مستقبل، ولكن الأمر يكون مختلفًا عندما نتحدث عن العظماء والعمالقة، لأنهم وإن ماتوا وفارقونا بالجسد، فإن أعمالهم وإنجازاتهم دائمًا تكون باقية.
وهذا الكلام ينطبق على الراحل الشيخ الدكتور نبيل صموئيل أبادير (٣ أكتوبر ١٩٤٧ - ٢ فبراير ٢٠٢٢)، ذلك الرجل النبيل اسما وحالا، صفة وسلوكا، نبيل صموئيل الذى رحل عنا بعد حياة حافلة بالبذل والعطاء والخدمة المتفانية للمجتمع، لقد كان الراحل هو المدير العام السابق للهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية خلفا لمؤسسها الدكتور القس صموئيل حبيب، كما كان نبيل صموئيل عضو المجلس القومى للمرأة ومقرر لجنة المنظمات غير الحكومية ونائب رئيس مجلس أمناء المجلس العربى للطفولة والتنمية.
لقد تميز راحلنا الكريم بحلاوة فى الأسلوب وعذوبة فى اللسان ورقة فى التعبير. لقد كان الدكتور نبيل صموئيل رجلًا له رؤية، وكان صاحب رسالة تهدف لتقديم محبة الله للإنسانية جمعاء، وقدم هذه الرسالة من خلال حياته اللامعة وسلوكه القويم ودماثة خلقه، لقد ناضل الرجل من أجل تحقيق العدالة والمساواة وحقوق الإنسان ورفض جميع أشكال التمييز على أساس اللون والجنس والدين، وناضل من أجل ترسيخ قيم الحب ونشر السلام ونبذ الفرقة والخصام، ودافع عن المرأة وحقوقها رافضا جميع أشكال التمييز والعنف ضدها، وما فعله الدكتور نبيل يُذكّرُنى بما قاله توفيق الحكيم: (لا خير فى فكرة لا يجعل منها الإنسان رداءه وكفنه، فيها يعيش، وفيها يُدفن).
وحرص الدكتور نبيل من خلال تعاملاته وعلاقاته بين الناس على نشر الحب والسلام ونبذ التعصب والكراهية ورفض الآخر، وسعى لأن تكون المحبة هى السائدة فى العلاقة بين أطياف المجتمع، لأن المحبة أقوى من القانون، وأن قوة النفوذ بالحب أقوى من قوة النفوذ بالعنف، فبحق كان نبيل صموئيل حدوتة حب.
لقد رحل عن عالمنا نبيل صموئيل، ولكن هل مات العظيم العملاق؟ هل غابت وانتهت حدوتة الحب؟!!
قال أحد الشعراء: «الناس صنفان: موتى فى حياتهم وآخرون ببطن الأرض أحياءُ»، ونبيل صموئيل لم يكن ميتًا فى حياته، لذا فهو سيبقى حيًا حتى بعد مماته، إنه كان بمثابة شمعة أضاءت فى دجى الليل، واحترقت حبًا وتفانيًا فى خدمة الآخرين والوطن، وحياته لم تكن عقيمة سقيمة، ولكنها كانت حياة عميقة مثمرة، وحياة الإنسان تُقاس بعمقها، والراحل كان بحق رجلًا نبيلًا وشريفًا وحكيمًا وعظيمًا بكل ما تحمله هذه الكلمات من معانٍ.
إن الدكتور نبيل صموئيل سيبقى بنبله ومحبته وبذله وتضحيته. وهو لم يمت، فهناك تلاميذه، ومحبوه، وهناك من عايشوه عن قرب، وهناك من عرفوا كيف كان يفكر هذا الرجل وكيف كان يعمل، ونحن نثق بأن المسيرة ستستمر ولن تتوقف، فالرواد هم الذين يؤمنون بالعمل الجماعى ولا يستحوذون بأنفسهم على أى عمل، ونبيل صموئيل آمن بالعمل الجماعى وبإفساح المجال لآخرين، لذا فقد تتلمذ كثيرون على يديه وأقنعهم بفكره وبرؤيته، وهم سيسيرون على نفس الدرب.
يا دكتور نبيل، إن كان يعز علينا كثيرًا أن ترحل عن عالمنا وتفارقنا بجسدك، إلا أننا على يقين كامل بأن أمثالك تموت أجسادهم فقط لأن الموت حق على الأحياء جميعًا ولكن ذكراهم لا يمكن أن تموت، لأنك فرضت نفسك على الزمان والمكان فرضًا، فهل يمكن أن يفارقنا عطر نضالك وشذا سلوكك ورحيق قدوتك؟!!، وهل من الممكن أن ننساك؟!!، بالطبع لا وألف لا، فسيرتك العطرة باقية، ورسالتك الراقية خالدة، ونحن على يقين تام بأن القبر الذى يضم جسدك لن يستطيع أن يستأثر بك، لأن لك فى قلوب الذين يحبونك ذكرًا لن يموت، فلا يمكن أبدًا أن يموت من عاش فى قلوب الآخرين، ولا يمكن لنا أبدًا أن ننسى حدوتة الحب!!.
نقلا عن المصرى اليوم