خالد منتصر
علموا أولادكم الرسم والموسيقى والمسرح المدرسى، لا يمكن لطفل نشأ على حب الفن أن يتطرّف، مستحيل لمن يعزف البيانو فى غرفة الموسيقى ويلون الحقول فى فصله المدرسى ويمثل شكسبير على خشبة مسرح المدرسة، أن يتحول إلى إرهابى، لذلك أنادى بعودة المسرح المدرسى بشدة، وسأقصر حديثى عليه، لأنه إذا كانت حصص الرسم والموسيقى ما زالت حية، وإن كانت تنازع وتقاوم الموت، فالمسرح المدرسى فى مصر قد مات وشبع موتاً.

أنا من جيل كان يشارك فى مسابقات المسرح المدرسى فى المرحلة الابتدائية، وكنت أرى نجوماً فى عالم التمثيل والإخراج يأتون إلى مدرستنا كلجنة تحكيم ونحن ما زلنا أطفالاً نحبو، كنا نمثل بلهجة خطابية زاعقة ومتشنجة، ولكننا فى النهاية كنا نمارس فناً، بل هو أبوالفنون، ففيه الموسيقى وفيه الرسم والديكور والرقص والغناء، المسرح المدرسى لا تمارس فيه فناً فقط، بل تتعلم الالتزام الصارم والانضباط، فأنت كطفل تشارك فى تفاصيل العمل منذ ولادته، تتعلم كيف تشارك فى تخطيط الميزانية، وتشارك عمال الديكور فى النجارة والتصميم، وتكنس خشبة المسرح، وتشرف على جلوس المدعوين.. إلخ.

خلق العمل المسرحى متعة وفناً ومسئولية، فعودة المسرح المدرسى قوياً كما كان تمثل خطوة مهمة فى بناء الطفل السوى نفسياً وتحميه من الوقوع فى براثن الفكر الإرهابى التكفيرى، لن يتبنى الطفل ثقافة الكراهية والعدوانية، فالمسرح هو علاج للكراهية وعدم قبول الآخر وليس سبباً لهما.

كلما قرأت سيرة فنان مرموق من الجيل القديم أجد بدايته كانت المسرح المدرسى، سواء كوميديان أم تراجيديان، وزكى طليمات إحقاقاً للحق بجانب أياديه البيضاء على مسرح الكبار فهو أيضاً صاحب مبادرة المسرح المدرسى فى شكله الجديد المتطور، وإذا كانت هناك صعوبة فى توفير الميزانيات، فلنبدأ بمسرحة المناهج، ونجرى مسابقات تنافسية بين المدارس، تسهيلاً لفهم العلوم والجغرافيا والتاريخ.. إلخ، نحول المعلومات الدسمة الثقيلة على الفهم إلى فكرة مسرحية من لحم ودم، تحويل تاريخ أحمس ورمسيس إلى مسرح، قوانين نيوتن ومعادلات الكيمياء إلى مسرح، رحلاتنا بين التلال والوديان والهضاب والتضاريس إلى مسرح، ثم رويداً رويداً يستعيد المسرح المدرسى عافيته وتستطيع المدارس تقديم مسرحيات ناضجة وثرية فى حفلاتها، بدلاً من اسكتشات الاستظراف وأغانى المهرجانات التى أندهش عندما أجد مدارس محترمة وغالية تقحمها فى احتفالاتها، عودوا إلى المسرح المدرسى وامنحوه قبلة الحياة تصحوا وتتعافوا.
نقلا عن الوطن