سحر الجعارة
«إوعى تسافر»: كان الفجر يعانق صوتها على كورنيش النيل، وأنا «عاشقة» أنتظر طلته مقابل مقر عمله، لا أدرى كيف التحم صوتها بصرختى: (تصور إنه تكون الليلة آخر ليلة بتسهر هون.. وإن الوردة اللى لوّنتها آخر مرة يكون لها لون.. يا هل الضايع ميناللى قال لك إنو منوهون الكون.. وين مسافر إوعى تسافر).. سكنتنى «جوليا بطرس»، كانت دموعى صدى صرختها: «إوعى تسافر»، وحملتنى معها وسافرنا إلى حافة الوجع، أصبحت «فى عصمته».. إنها الذروة الدرامية التى تتتابع بعدها الأحداث دون إرادتك «مسافة الحلم» - العجوزة 2000.

فى هذه اللحظة البعيدة تعلم صوت «الثورة والحرية» كيف يبكى على إيقاع الحب.. وعدت معها وإليها، إنها شريكة قصتنا: أنهيت غربتى التى لم تتجاوز عشرة أيام، وكأنى أفتش عن نفسى معها تحت حطام «الحرب الأهلية اللبنانية»، أبحث عن أحلامى بين جثث الشهداء، عن حريتى فى خريطة «فلسطين» المحتلة.. أنقش اسمه فى دروب التوهة ربما تجبرنى صورته على الهرب.. أقود سيارتى بجنون، تطاردنى التعليمات: ارتدى الحجاب، لا تظهرى فى الفضائيات، اهجرى أهلك وبلدك واتركى عملك لتفوزى بطفل من صلبى.. ولم يأتِ!

«آه يا جوليا»: زيدينى صلابة وطرباً وشجناً.. امنحينى ذلك السحر المحرّض على الحياة.. ردى لى الشغف واللهفة لـ«أى شىء»: (صوت الحرية بيبقى أعلى من كل الأصوات.. مهما تعصف ريح الظلم، بيغطى الليل المسافات.. مافيك تلوّن ها الكون، ع بعضو بذات اللون.. وتبدّل نظام الأرض، وتغير مجرى الهوا «أنا بتنفس حرية ما تقطع عنى الهوا»).. أهدتنى جوليا «اليقين» وحسمت بأغنيتها الاختيار.

قوة ومحبة: «جوليا بطرس» أيضاً حسمت اختياراتها، أصبح الرهان على الشعب، إنها تغنى جرحها «وين الملايين» وتنادى الغد المتعثر فى أوزار نهارنا الضبابى.. هذه الخلطة العبقرية «فلسطينية- لبنانية» توجعنا وتجرحنا: (كلن يا جنوب باعوك الكلام.. والعدل مصلوب عم ينزف السلام.. شو همنا الحروب.. راح نبقى نحن هون ويفنى كل الكون.. ولا ينقص حبة بترابك يا جنوب). توقظنا «جوليا» وتؤلم ضمائرنا، كم هى جارحة، غاضبة، مسكونة بالوطن، مهمومة بالحرية: (أنا قلم وسيف انسنوا وكتبوا، وصار الصوت يدوى.. قوة محبة يا ثورة شعب بلادى.. نار نار متل النار.. إنتو السيف وانتو الغار يا أبطال بلادى).. أحياناً تتحول الحدوتة إلى «عدودة».. يلتحم الوطن بالحبيب، تصبح الذاكرة «بشر ورائحة أرض وشجرة زيتون وانفجار واغتيالات مدبرة ومؤامرات لا نعرف أبعادها».. وما الحبيب إلا بعض ملامح الوطن بغضبه وحنوه: يدير لنا ظهره حيناً ويضمنا فى أحيان أخرى.

العاشقة الثائرة: لن تشعر بقيمة الثورة على الظلم والطغيان حتى فى الحب إلا إذا اختبرته وطعن قلبك بسهمه الذهبى.. لن تشعر بمعنى «الحرية» لمجرد أن صوت «جوليا» الملائكى يناديك إليها، لا بد أن تجرب الأسر وتترك القيود علامات جارحة بمعصميك.. (عم يشهدوا بالزور، والأرض رح بتضيع.. انتو الثورة انتو، انتو سهر الضمير.. العدل الصارم انتو، انتو ريح التغيير.. انتو النور الطالع من ليل النسيان.. يا يا ثوار يا ثوار الأرض). إنها امرأة صلبة، لم تفرط فى وطنها، ولم تنحن حتى فى عشقها، تمنح قلبها لمن يستحق: (انت أحسن ألطف أنضف.. أشرف إنسان بلاقيك.. انت أريَح أفصح أنجح.. مين مش شايف حالو فيك.. انت عندك قدر وقيمة، أفكارك متلك عظيمة).. وعندما تتمرد تغنى له: «على شو».. إنها قصيدة حب مغزولة بفن المقاومة أهديها لكل العشاق.
نقلا عن الوطن