بقلم د. مى مجيب مسعد


   لا أكتب هذا المقال بنية التقرب أو التودد أو حتى بنية الاستخفاف من مصطلح استخدمه رئيس أكبر دولة فى الشرق الأوسط ، ولكنى استخدمت مصطلحى عنوان المقال عن قصد منى ،فعندما أشار رئيس مصر إلى (أهله وعشيرته) ،تعرض للنقد واندهش الكثيرون من نواياه هل يقصد بأهله وعشيرته جماعة الإخوان المسلمين التى ينتمى إليها، أم يقصد مسلمى الأمة المصرية ،أم يقصد المصريين جميعا فى الداخل والخارج؟
 
   أما أنا فأختلف عن رئيسى، سأقطع الطريق على القارىء وأوفر عليه محاولات التفسير وتحليل المضمون ، فأهلى وعشيرتى فى السياق هم بعض عائلات أقباط المهجر الذين آنست بهم خلال رحلة دراستى بالولايات المتحدة الأمريكية. وبعد إعفاء القارىء من الحيرة ، فإنى أريد فقط أن أوضح له أن مصطلح "أقباط المهجر" هو مصطلح سياسى أكثر منه مصطلح سوسيولوجى. فلقد درجت الأنظمة البائدة والحالية أن تشير إلى أقباط المهجر كونهم المسيحيين المهاجرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو كندا أو أوروبا أو استراليا (عادة يرتبط المصطلح بالمهاجرين إلى أمريكا الشمالية) بدءا من خمسينيات القرن الماضى واستقروا هناك واستطاعوا تكوين ثروات طائلة ونفوذ كبير –وفقا لإدراكهم- يستخدمون تلك الثروات وذلك النفوذ ضد وطنهم أو على الأقل فى مجالات لاتضر وطنهم ،ولكنها تفيد الدول التى هاجروا إليها والتى (خانوا) أوطانهم وتجنسوا بجنسياتها.
 
  أما المصريين فى الخارج فهم كتلة أخرى تعبر عن "مسلمى المهجر" وهم أصحاب فضل على اقتصاد بلادهم بفضل التحويلات المالية والاستثمارات الضخمة التى يتبنوها فى وطنهم الأصلى ، ومن ثم بات التمييز بين المصطلحين دارجا ومستخدما بين الكافة على أن مصطلح أقباط المهجر مصطلح سلبى ، ومصطلح المصريين فى الخارج مصطلح إيجابى!
 
  بالقطع لايجوز التعميم، فهناك من يعى مقصد ومعنى كل مصطلح وينأى بنفسه عن الخلط بين المفهومين . ولعل  وجود الأقباط فى بلاد (المهجر) لاينتقص أبدا من وطنيتهم أو انتمائهم لمصر وللكنيسة ، بل على العكس أدى ارتباطهم بالكنيسة الأم فى مصر واتساع وجود الكنيسة القبطية خارج مصر إلى تبنيهم للمطالب القبطية من دوافع دينية ومدنية معا، وإلى عمق تدينهم وإيمانهم . ومن الإنصاف القول أن أقباط المهجر ليسوا وحدة واحدة متجانسة فهم مختلفون جيليا وفكريا وجغرافيا، كما أن نسبة قليلة منهم هى المسيسة والمهتمة بالشأن الداخلى المصرى وفى القلب منه القبطى .   
 
  ذهبت إلى الولايات المتحدة محملة بتلك الأفكار الخاطئة والمتحيزة ضد (أقباط المهجر) ، ولن أنسى نصائح بعض معارفى بتحرى الحذر عند التعامل معهم. وبمجرد وصولى إلى مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأمريكية سألت عن أقرب الكنائس القبطية الأرثوذكسية هناك، فلم أفلح، فاتصلت بأحد رجالات الكنيسة العلاّمات فى مصر الذى تبنى موضوع رسالتى وشجعنى عليه، ليدلنى على أول الطريق، فأرشدنى إلى واحد من أهم –إن لم يكن أهم- رجال الكنيسة فى لوس أنجلوس. ذهبت إلى (أبونا) الذى تيقنت أنه أب لكل قاصديه ، رحب بى وقدم لى كل المساعدات الممكنة. كان والدى برفقتى وعلى وشك العودة إلى مصر ، فقال لى (أبى) :"إن أردت أى شىء ، معك هاتفى ، فنحن هنا (أهلك)". ارتحت لهذه المؤازرة خاصة وأن الغربة فى الخارج شعور مخيف لايشعر به سوى من عاهده
 
  طلبت من "أبى" أن يساعدنى على التواصل مع قيادات (أقباط المهجر) ، فأعطانى البريد الالكترونى الخاص بإحدى تلك القيادات، أخذته وأنا على تشكك أنه سيتجاوب لأسباب تتعلق بثانوية جدوى التواصل الالكترونى فى مصر. أرسلت رسالتى التى يشوبها اليأس من الرد، لأجد ردا بعد دقائق بأنه يرحب بى، ويود مقابلتى والاحتفاء بى وبوالدى.
 
  لم أصدق وقتها بأن الطريق الصعب فى طريقه إلى أن ينفتح، اتصل بى (قبطى المهجر) وأكد على موعد التعارف الذى بدأ فى أكتوبر من عام 2009 واستمر إلى اليوم. هو وأسرته القبطية فى المهجر، تتحدث العربية وتتناول (المش) وتتابع الأحداث السياسية فى مصر، وتتذوق أغنيات أم كلثوم!! وجدتنى أسأل فى داخلى أهؤلاء هم (شياطين المهجر) الذين رسمهم خيالى وشكلّهم حديث سياسى مغلوط؟ 
 
    داهمتنى فى يوم هناك وعكة صحية مفاجئة ألزمتنى الفراش، فانقطعت عن الاتصال ،فاتصلت بى الأسرة للاطمئنان وطلبت منى أن أملى عليهم حالتى كى يسارعونى بالدواء والطعام. اجتذبتنى الأسرة وسط أحفادها ومعارفها، وفى الأقسام الأكاديمية بالجامعات المعنية بالتاريخ والثقافة القبطية ، وفى حضور المناسبات السارّة . لقد اتسعت دائرة معارفى ب(أقباط المهجر) ولم أجد فيهم ماجنا أو خائنا أو موتورا أو حليفا للغرب.  
 
   هؤلاء أصروا على الاحتفاء بى قبيل العودة  ووداعى فى المطار بعيون دامعة ومهاتفتهم فور وصولى إلى الوطن الذين يشتاقون إليه... نعم إنهم حقا أهلى وعشيرتى!