مؤسس المتحف المصري ومصلحة الآثار المصرية خلال الفترة من (1858- 1881 ) وواضع قصة أوبرا عايدة
إعداد/ ماجد كامل
يعتبر العالم الأثري الكبير أوجست مارييت Auguste Mariette ( 1821- 1881 ) واحدا من أهم الرواد الأوائل المؤسسين لعلم المصريات ؛ وهو ايضا يعتبر المؤسس الأول للمتحف المصري ومصلحة الآثار المصرية .
أما عن مارييت نفسه ؛ فلقد ولد في 11 فبراير 1821 بأحدي المدن الفرنسية ؛ ولقد عمل في شبابه مدرسا للرسم في مدرسة خاصة بانجلترا ؛ ثم مدرسا في كلية للفنون ؛ كما عمل صحفيا ومحررا في أحدي الجرائد . وكانت بداية شغفه بالآثار المصرية القديمة علي يد أبن عمه ؛الذي كان تلميذا مباشرا للعالم الفرنسي الكبير فرانسوا شامبليون ( 1790- 1832 ) مؤسس علم المصريات Egyptology ؛ ونتيجة لهذا الشغف ؛ألتهم مارييت كل كتب الآثار المصرية التي تمكن من الوصول إليها . وخصوصا كتاب "وصف مصر Description de l Egypte الذي كتبه علماء الحملة الفرنسية ؛ ولقد تعلم اللغة الهيروغليفية بنفسه ؛ ومما ساعده علي اتقانها هو موهبته الكبيرة في الرسم ؛ وأخذ يتردد علي متحف اللوفر بباريس ؛ وفي عام 1849 ؛عرضت عليه وظيفة في متحف اللوفر بمرتب ضئيل ؛ففرح بها جدا ؛ وفي السنة التالية ( 1850 ) أرسلته الحكومة الفرنسية في بعثة إلي مصر لجمع بعض المخطوطات القبطية من الأديرة ؛ وعند وصوله إلي مصر ؛ أكتشف أن جميع المخطوطات قد أرسلت من الأديرة القبطية إلي القاهرة بناء علي أوامر الأب البطريرك ؛ وتم وضعها في حجرة واحدة كبيرة بعيدا عن أعين المغامرين الأجانب ؛فطلب مارييت مقابلة البابا ( لم يذكر لنا التاريخ من كان هو الاب البطريرك في ذلك الوقت ؛ ولكن بحساب عام الزيارة عام 1850 ؛يكون الاب البطريرك المقصود هو البابا بطرس السابع المعروف بالجاولي ( 1809- 1852 ) بابا الكنيسة القبطية رقم 109) . الذي أستقبله استقبالا طيبا باعتباره الممثل الرسمي لحكومة فرنسا ؛ غير أنه أعتذر له بعدم قدرته علي تحقيق رغبته ؛فتخلي مارييت عن أي امل في الحصول علي المخطوطات ؛ وتوجه إلي سقارة وقام بالكشف عن الكنوز المختبئة هناك ؛ وكان من بين ما أكتشفه في سقارة طريق طويل للكباش يؤدي إلي السرابيوم ؛ مكان دفن العجول المقدسة المعروفة بأسم العجل أبيس ؛ فقام مارييت بحث حكومته الفرنسية ومتحف اللوفر بمد بعثته موسمين آخرين للقيام ببقية أعمال التنقيب في سقارة . ولقد تكونت لديه رغبة قوية في تأسيس متحف لجمع كل هذه التحف القيمة في مكان واحد ؛ فعرض الفكرة علي سعيد باشا ( 1822- 1863) ؛ فوافق جدا علي الفكرة ؛ وبالفعل تكونت مصلحة الآثار وبدأت الحفائر علي نطاق واسع ؛ ومن بين الكنوز التي عثر عليها مارييت في سقارة تمثال من الخشب يمثل شيخ البلد يخطو إلي الأمام ( وهو معروض حاليا في المتحف المصري بالتحرير ) ؛ وبعد وفاة سعيد باشا ؛ تولي خلفه إسماعيل باشا ( 1830- 1895 ) تأسيس متحف في بولاق لجمع التحف والآثار المصرية التي تم العثور عليها ؛ وتم الافتتاح في حفلة رسمية كبري في يوم 18 أكتوبر 1863 ؛ ولقد ظل مارييت وفيا لمنصبه كمدير للمتحف المصري ؛ حتي أنه عندما عرض عليه أن يشغل منصب مدير متحف اللوفر رد علي العرض قائلا " هل تسمحون الآن لعلم المصريات الذي يمثله حتي الآن رجل فرنسي ؛بأن يمثله في المستقبل رجل ألماني ؟! نحن الآن نكافح بقوة في مصر ضد نفوذ ألمانيا ؛ ذلك النفوذ الذي يفرض نفسه في أتجاهات عدة ؛ فهل تعتقدون أني أكون الوسيلة التي يستطيع بها الألمان أن يمتلكوا أحد المناصب التي يتشوقون لامتلاكها في مصر " ( بيتر فرانس :أوربا والآثار المصرية ؛ ترجمة إبراهيم محمد إبراهيم ؛ مراجعة عبد الرحمن الشيخ ؛الهيئة المصرية العامة للكتاب ؛ الألف كتاب الثاني ؛ صفحة 176 ).
ثم جاءته فرصة ذهبية حين أراد الخديوي إسماعيل افتتاح قناة السويس ؛ إذ أراد الخديوي أن يكون الافتتاح احتفالا عالميا كبيرا ؛دعي إليه ملوك العالم المتحضر ؛ فقام مارييت بمصاحبة الضيوف في جولة بين آثار مصر القديمة ؛وكان مارييت هو القائم بالشرح لهؤلاء الضيوف . ولقد كتب مارييت خطابا إلي أبنه عبر فيه عن مشاعره لهذه الزيارة قال فيه " لقد عدت توا من جولة في الصعيد ؛ وفي السويس ؛وفي سقارة ؛في صحبة العديد من الإمبراطورات والأباطرة والأمراء والوزراء " (نفس المرجع السابق ؛ صفحة 174 ).
ثم كلف الخديوي مارييت بتقديم قصة لاوبرا من المقرر أن تفتتح في مسرح القاهرة ؛ وأخبره أنه سوف يتصل بأحسن موسيقي العالم ؛ وبالفعل تم الاتفاق مع الموسيقار الابطالي فيردي ( 1813- 1901 ) وقام مارييت بالسفر إلي فيلة كي يعد الرسوم للمباني وتفاصيل الأزياء ؛وبالفعل أعد مارييت القصة من 4 صفحات ؛وكتب نصها الغنائي أحد الشعراء الفرنسيين ؛ وأصر فيردي علي ترجمة النص إلي اللغة الإيطالية ؛ولقد قدمت أوبرا عايدة لاول مرة في 21 ديسمبر 1871 في مبني دار الأبرا الخديوية . ( وهو المبني الذي أحترق في حادث مؤسف في 28 أكتوبر 1971 ) .
وظل مارييت مثابرا علي تعهد متحف الآثار حتي توفي يوم 18 يناير 1881 عن عمر يناهز 60 عاما تقريبا .
ولقد أقيمت له جنازة رائعة ؛ ,واقيم قبره في حديقة متحفه أمام تمثال خفرع ؛ وصمم تابوته الحجري المهندس المعماري أمبرواز بودري ؛وكانوا ينقلون قبره إلي كل مكان جديد ينقل إليه المتحف . ففي عام 1891 نقل جثمانه إلي المتحف المصري الحالي حيث مازال قائما هناك حتي الآن ؛ أما في مدينته ومسقط رأسه بفرنسا ؛ فلقد اقيم له تمثال من البرومز فوق قاعدة علي شكل هرم مبتور ومرتديا طربوشا فوق راسه ؛ وتم تدشين التمثال في 16 يولية 1882 ؛ ونحتت تحت التمثال العبارة التالية " في حياتي كلها فعلت شيئين يعرفهما العالم اجمع ؛السرابيوم ومتحف بولاق ( لمزيد من التفاصيل راجع :- جريدة البشاير :- مقبرة لمارييت باشا مع كل متحف تقيمه مصر ؛الاربعاء 23 اغسطس 2017 ؛موقع علي شبكة الانترنت ) .
بعض مصادر ومراجع المقالة :-
1– نخبة من العلماء :- الموسوعة الأثرية العالمية ؛ ترجمة محمد عبد القادر محمد ؛ زكي اسكندر ؛ الهيئة المصرية العامة للكتاب ؛ الطبعة الثانية ؛ 1997 ؛ صفحة 358- 359 .
2- بعض المواقع المتفرقة علي شبكة الانترنت .
3- بيتر فرانس : أوربا والآثار المصرية ؛ ترجمة إبراهيم محمد إبرهيم ؛ مراجعة عبد الرحمن الشيخ ؛ الهيئة المصرية العامة للكتاب ؛ الألف كتاب الثاني ؛ 2009 .