ألفى شند
تقوم الأديان السماوية  على ركيزة أساسية تعد المكون الاساسى لجوهرها وروحها، وهي قضية الوحي الإلهي؛ فهى تستند على كونها أدياناً إلهية أن الله هو الذي أنزلها وأوحاها إلى أشخعلص من البشر ليبلغها إلى بني قومهم ، وأن البشر ليس لهم أثر في هذه الديانة إلا في الايمان بها  .
 
وهناك من  رأى ان الفلسفة ، كانت تمهيدا للإنجيل ، وأن بعض الفلسفات هي «لاهوتٌ حق»، ، ففد رأى اقليمنضس الاسكندرى ان "الفلسفة أُعطِيت مباشرة من الله لليونانيين إلي أن يتجسد الرب…الفلسفة كانت لليونانيين مثل الناموس الذي قاد العبرانيين إلي المسيح". وان الله تحدث عبر  أشخاص برؤى واحلام  ونصوص كتابية منزلة او ملهمة ، وهذا الاعتقاد عرفه التقليد اليهودي الذي كان يرى في العهد القديم مجموعة كتب أوحى بها الله وقد أملى الشريعة على موسى فكتبها، وأرسل روحه على الأنبياء والحكماء فدوّنوا ما دوّنوه من أسفار مقدّسة.. ولم يكن التقليد المسيحي أقل إيماناً بالكتب الموحاة. وتعتبر الكنيسة أنّها تسلّمت هذه الكتب وديعة تحافظ عليها وتستلهم منها العلاقة مع الله " ، أقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ." (سفر التثنية 18: 18) ، وفى اخر الزمان كلم الله الانسان بابنه  الكلمة  المتجسدة  فى صورة الانسان يسوع المسيح ،  . وبهذا الصدد كاتب بولس الرسول فى   الرسالة إلى العبرانيين: "اللّه بعدما كلّم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثاً لكل شيء الذي به أيضاً عمل العالمين"(عب1: 1) . وبعد أن أتمّ المسيح  الفداء وحرر البشرية من الظلمة  . أرسل روحه القدوس الذى يمكث معنا الى اخر الازمان حتى يكشف انا عن أسراره . 
 
نفهم من ذلك ا ن الايمان المسيحى لاستند  على نصوص كتابية موحاة مفحسب ، إنما على اعلان الله ذاته بالتجسد الالهى  ،  وعطية  الروح القدس الذى سيمكث معهم الى منتهى الدهر  .  لذا تعتقد الكنائس المسيحية ان الوحى الالهى مسنمر  ولا بنقطع على مر الازمان ،  وتعطى الكنائس الرسولية اهمية للتقليد فى العبادات  ، بجانب الكتاب المقس المرجع الاساسى لكلِّ حقيقةٍ خلاصيَّةٍ .
 
لم ينقض المسيح ما جاء موحى فى الكتاب المقدس بل اتمه . "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ "( متى 5 : 17) وفد اقتبس السيد المسيح فى دعوته من نصوص العهد القديم حيث كرر مرات عديدة على للشعب  "أما قرأتم قط الكتب .. أما قيل لكم نن قبل"  ( متى  21
: 42 – 15 – 14)
توضح ذلك النصوص نفسها ، فنقرأ فى بالعهد القديم. إن الله نفسه يتحدث على لسان الأنبياء (أشعياء 1: 2/6: 6-9، أرميا1 : 9، حزقيال3: 10 وما بعده، عبرانيين1:1)، ويكتب شريعته بيده (خروج 24 : 12، تثنية 4 : 13 / 10 : 4)، أو يُمْليها على موسى (خروج 24 : 4 ، تثنية 31 : 9). وهو الله أيضاً الذي يطلب تدوين مآثره حتى تبقى في ذاكرة شعبه (خروج 17 : 14، عدد 33 : 2).
 
ويومن المسيحيون بأن الكتاب ٍ كله بعهديه القديم والجديد موحًى به الله . وقد  كتب الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس قائلاً: «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّباً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ» (2تيموثاوس 3: 16). 
يختلف مفهوم الوحى فى المسيحية عن مفهوم الوحى فى الاسلام . الوحي في المسيحية ليس "الهام" وليس "إملاءً" إلهياً حرفياً، بمعنى أن كلمات الكتاب المقدس ليست كلمات منزلة من الله إلى رجاله القديسين ينقلونها كما هي نصاً من فم الله مباشرة، أوبمعنًى أدق، ليس كل الكتاب المقدس كلمات الله نصاً. 
أما الوحى فى الاسلام "إملاء" من الله، يتلقاه النبى كما هو مدون فى اللوح المحفزظ فى السماء منذ الازل .، ولكونه كلام منزل من عند  الله يصعب أن يتترجم حرفياً.
 
وهكذا جاءت الصيغة التي وضعها المجمع الفاتيكاني الثاني في تعبيره عن "الوحي" : «إن الله اختار لصياغة الكتب المقدسة أناساً في كمال إمكاناتهم ووسائلهم، واستخدمهم لكي – بعمله فيهم وبواسطتهم – يدوّنوا كمؤلفين حقيقيين كل ما يريده، وما يريده فقط" (المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، رقم 11.)
 
وهذا ما يطرحه اللاهوت الكاثوليكي . أن الله هو كاتب الأسفار المقدسة بأسرها وأن الكُـتّاب البشريين لهذه الأسفار هم كُـتّابها في نفس الوقت "مستخدمين   كمال إمكاناتهم ووسائلهم".
 
الوحى فى الكتاب المقدس :
جاء الوحي الكتابى في صورة نصوص مختلفة العصور والثقافة، ودون من خلال أشخاص مختلفي  الثقافة . 
وكلمة الوحي مصدرها يوناني وتعني : كشف عن - رفع الغطاء - عمَّا هومحجوب . فالله بمبادرة منه يكشف عبر الوحىعن أمور  خفية او تفوق ادراك العقل البشرى لاتتناقض العقل .
 
. وتؤكد الكتيسة الكاثوليكية  في المجمعَ الفاتيكانى الثانى أنَّ العقلَ البشريَّ يستطيع بنورِهِ الطبيعيّ أن يعرف الله، مَبدأ كلِّ شيءٍ وغايته، معرفة أكيدة ، وذلك عن طريقِ المخلوقات (راجع رو 1 : 20)؛ 
 
يُعلن المجمع صراحةً أنّ الله لا يمكنه أن يخاطب الإنسان بكلام إلهيّ صرف، إذ إنّ الطبيعة البشريّة لا يسعها على الإطلاق إدراك الألوهة في كيانها وفي أفعالها وفي أقوالها، ولذلك كان لا بدّ للتدبير الإلهيّ من أن يُعلِن عن المشيئة الخلاصيّه بالسان البشر واساليب البشر  في قوالب شتّى من التعبير البشريّ، يقدّم حقيقة معيّنة، قد يعبّر عنها بطرق متنوّعة في نصوص تعتمد أساليب مختلفة، فتأتي تاريخيّة أو نبويّة أو شعرية أو بأنواع أُخرى على نحو يما يقرب كلام الله للطبيعة البشريّة، حتّى يستطيع الإنسانُ أن يدركه ويتفقّه. (لمجمع الفاتيكاني الثاني، كلمة الله ، دستور عقائدي في الوحي الإلهي،فقرة  12) .
وقد استخدم السيد المسيح فى تعاليمه الامثال ، والقصص الرمزية، كمثال : الزارع االذى يتناول كلمة الله والأنواع المختلفة من التربة والإستجابات البشلاية المختلفة لكلمة الله (متى   )  وكقصة الابن الضال  (لوقا 15: 11-32) يمثل الإبن الضال في القصة الإنسان العادي الخاطيء ويميل للأنانية وحب الذات.
 
ويرمز الأب إلى الله، وهى ترمز إلى رحمة الآب وإستعداده لقبول الخاطىء، وفرح الله عندما نترك الخطية ونطلب غفرانه..  
 
ومن الاهمية ضرورة التمييز بين مستويين من المعنى فى نصوص الكتاب المقدس  ، وهو ما ندعوه المعنى "الحرفي أو التاريخي" ، والمعنى "الروحي"، وأن نصوص الكتاب المقدس زسالة ذات  مغزى روحى ، وليست  نصوص نتريخية او علمية ، فقصة الخلق، كما وؤدت فى سفر التكوين بالكتاب المقدس لا تبغى شرح كيف تمت عملية خلق الكون والانسان ، وإنما  توضيح أن الله رافق البشرية والكون في مسيرة الخلق والتطور. إذا ما فهمناهما على الوجه المناسب ، ان اوحي ينصب على الحقائق الايمانية ، الوصايا وسبل الخلاص الروحى . ويقول القديس اغسطينوس  "لم يرد في الإنجيل أن قال الرب ذات يوم: سأرسل إليكم الروح   المعزّي ليعلمكم دوران الشمس والقمر؟ لأن قصده إنما كان تكوين مسيحيين لا علماء رياضة» (القديس أغسطينوس ضد فيليكس 1 : 10).،اما الامور الاخري العلميه والتريخيه فلا نعدو أكثر من السائدة فى البيئة فى ذلك العصر بصرف النظر عن صحيحه او خاطئة اوخياليه .  
 
فالوحي الإلهى فى الكتاب المقدس يختص بالحقائق الإيمانية فقط  التى تتعلق بسبل الخلاص .  وان وما ورد من الأمور الأخري فى الكتاب المقدس سواء العلميه والتاريخيه ، إنما تعبر عن ثقافة كاتب الأسفار، والعصر الذى كتبت ، وتبيان ذلك سهل وواضح  :«وأما العزّاب، فليس عندي لهم وصية خاصة من الرب، ولكني أعطي (أنا بولس) رأياً باعتباري نلت رحمـة من الرب لأكون جديراً بالثقة». (1 كو 7 : 25).
نقول رسالة للبابا لاون الثالث "الله الكلى العناية " عن طبيعة وحى الكتب المقدسة، فتقول أن الروح القدس، المؤلف الأول والأساسي، استخدم بعض الأشخاص كوسيلة  للكتابة، فإن الروح القدس بقوته الفائقة الطبيعة، حركهم وساقهم إلى الكتابة، وساعدهم عند الكتابة، بحيث أنهم أدركوا إدراكا صحيحا كل ما أمر بكتابته، ولا شيء غيره، وأرادوا كتابته بأمانة، وعبروا عنه تعبيرا صحيحًا، معصوما من كل خطأ فيما يخص الحالقائق الايمانية ،  وما عدا الحقائق الايمانية  ذلك لايعد مصدرها الله تعالى  .
 
وقد عززت  الثورات العلمية المتلاحقة   والاكتشافات الأثرية والتقدم التكنولوجي في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وعمليات التنقيب فى حضارات بلاد النهرين (البابلية والآشورية)، والحضارة المصرية القديمة، والكنعانية، وما أسفرت عنه في نصوص العثور على مخطوطات غاية فى الاهمية ، منها سفر أشعياء بالكامل يرجع تاريخ  كتابته الى سنة 1000 قبل الميلاد   بمنطقة "وادى قمران"  والبحر الميت وغيرها على دراسات الكتاب المقدَّس، للةقوف على الشكل الخاص والظروف التي عمل فيها  كاتب السفر ، والفترة التي عاشها، والمصادر وصوروا التعبيرات التي استخدموها لفهم نصوص الكتاب المقدس كاموحى بها من الله  . و شجع الكتيسة فى الغرب منذ عهد البابا بيوس الثاني عشر (1939- 1958م) حرية البحث والدراسات العلمية
 
فى الختام : بمكن القول ان الكتاب المقدس  هدفه الأساسي هو إطلاعنا على رسالة  الخلاص. لقد أراد كل من الإنجيليين – بإلهام من الروح القدس – التأكيد على ملامح معينة من شخصية يسوع دون سواها، أو على قيمة معينة لرسالته دون غيرها.
 
فهم يختلفون فيما بينهم إذ أنهم شهود للروح القدس أكثر منهم مؤرخين وعلماء  لعلوم المستقبل .