سحر الجعارة
«اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24»، هذا هو القول الفصل فى الثقافة السائدة، «واضربوهن»، بالسواك بعود برسيم لا فرق، المهم ألا تترك أثراً يدل على جريمتك، هذه هى «المظلة الشرعية».. يمكنك أن تجمع بين العرف والشرع حتى تدك عنقها، ولا تهتم بسلطة القانون ولا برأى المجتمع الذى انتفض مذعوراً حين رأى عروس الإسماعيلية تُضرب قبيل زفافها بساعات: القانون خالٍ من «حق المجتمع» فى جرائم «الضرب العائلى»!

المجتمع يباشر سلطته بالقانون، إذا قبّلت زوجتك فى الطريق العام «فعل فاضح»، أما إذا ضربتها فلن يتدخل أحد «مجرد كسر لكبريائها».. وحدها تملك الحق فى الشكوى والتنازل عن حقها.. وحدها تخضع وترضخ وتنحنى حتى تنكسر فقرات ظهرها لتركع لزوجها: (لَوْ كُنْتُ آمِراً أَحَداً أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا) حديث شريف.

وحدها مأمورة بالطاعة، وحدها ينطبق عليها مصطلح «النشوز» بالشرع وفى القانون! وحدها عليها أن تلتزم الصمت إذا استولى الذكور على ميراثها.. لماذا؟ لأن القانون أطلق يد الذكر «الأخ أو الأب أو الزوج» فى قتلها بعد اتهامها فى شرفها «دون أدلة»، أما إذا ضبطت الزوجة زوجها متلبساً بالزنا فأقصى عقوبة ستة أشهر، وغالباً ما تتنازل: (إحالة، عفواً أيها القانون)!

أما إن كانت «قاصراً» فمن حق الذكر أن يبيعها كأى سلعة بورقة زواج عرفى أو رسمى لا يهم.. ويفلت من العقاب ولا تطاله يد القانون فيما يستمتع هو بـ«ثمنها»!

كل ما سبق من الجرائم التى تُرتكب فى حق نساء مصر يجرّمها الدستور المصرى فى أكثر من 20 مادة منه، أما الاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها مصر والملزمة لنا فتعرّف ما نراه ونبتلع ألسنتنا بأنه «تمييز على أساس النوع».. نحن رهائن وسبايا فى قبضة الذكور (الرجال منهم على رؤوسنا).

حاولت دار الإفتاء المصرية توعية الذكر ليكف عن آليات العنف الممنهج ضد النساء، وأوضحت عبر صفحتها الرسمية على «فيس بوك» معنى الآية الكريمة: «فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ»، بأن الضرب المذكور فى الآية الكريمة يعنى التأنيب لا التعذيب، ولا يُستخدم إلا فى حالات التمرد القصوى التى لا ينفع فيها العظة ولا الهجر.. معذرة: حتى ترمومتر التمرد ملك الذكور، والمسافة من التأنيب إلى التعذيب يحددها مدى قربه أو بعده معرفياً وثقافياً من كسر «أول ضلع» حتى «القتل» دفاعاً عن الشرف المزعوم!

هذا الحديث يؤلمنى على المستوى الإنسانى، (رغم أنى لم أتعرّض على الإطلاق لواقعة عنف)، يوجعنى ويكسر كرامتى لأنى أكتب عن «بعضى»، عن شرف بنات بلدى وكبريائهن.. هذا الحديث مهين لإنسانة تناضل لرفع العنف عن النساء منذ مؤتمر المرأة بكين-1995 حتى الآن.. لأن مواد القانون ليس من شأنها تغيير الثقافة المجتمعية ولا نشر وعى عام بحقوق النساء: المطلوب الآن أن يصبح المجتمع طرفاً فى قضايا العنف ضد المرأة «الحق العام» أن تكون النيابة العامة محتسبة لوقف نزيف العنف المشرعن.. وأن يكون «المجلس القومى طرفاً»، خاصة إذا تمت الوقائع على الملأ، وهذا يحتاج إلى تشريع جديد.

للأسف واقع المرأة -تاريخياً- مرهون بمنظومة الفكر الدينى، والمؤسسة الدينية الرسمية تلعب دوراً تحريضاً ضد النساء، فإن شئنا إنصاف النساء فلا بد من تغيير المناخ السلفى السائد، ونشر التنوير بدلاً من المجتمع ظلامى الذى دشّنته جماعة الإخوان الإرهابية.

ملحوظة: إذا تعرضت إحداكن لأى واقعة عنف، عقاباً على قراءتها لهذا المقال، يمكنك الاتصال بمكتب شكاوى المرأة 15115.
نقلا عن الوطن