( بقلم / أشرف ونيس )
تفقأ باطن قدميه حين دأب المسير للبحث عن ما يصبو إليه و لم يجد ، تمايلت خطاه يسارا و يمينا محدقا فيما ترنو إليه عيناه لكن بلا جدوي ، ضج الهواء من موجات صوته الصادرة من فيه الذى لطالما ردد ما اعتاد على تردده ....... ، خرج سؤاله مارا على شفتيه فى إصرار بأنه سيخرج بلا عودة لكن شيئا ما يجبره على الرجوع من حيث أتى بلا أدنى معرفة به ، و هكذا هواء محيطه ، شفتاه المشققتان ، حنجرته التى تبرز عن عنقه عدة مليمترات و كأنها تلك الثمرة التى لم تجد لها دربا للمسير فظلت حجر عثرة له ، أحرف كلماته التى تجتمع فيصحبها علامة استفهام ..... كلهم اجتمعوا لإعداد عدتهم متأهبين للتفوه مرة أخرى بعد الألف ناطقين بنفس السؤال إياه " من سيحبنى لذاتى ليس لآخر " ؟؟؟؟

لم يكن الحب عطاء فى ذاته ، كما لم يكن هبة دون مقابل ، ما لم يكن الاحتياج اليه هو أحد أسباب تربعه على عرش الاهتمامات الإنسانية ،
سألنى أحدهم وقت أن رمقنى بعينيه أثناء تبجيل ذلك الحب و كتابتى لبعض الخواطر ثناء له ، سابحا فى احدى شواطئ أنهاره العذبة ، مرتشفا بعضا من قطراته ؛ هل الحب عطاء أم أخذ ؟ أجبته بأن الحب يجمع بين نقيضين ، أولهما الاحتياج ، و ثانيهما العطاء ، فهو احتياجنا الى العطاء ، و تعطشنا الى البذل .

كان و مازال و سيظل حب الإنسان لاخيه الإنسان حبا خاليا من التجرد ، ليس باحثا عن الذاتية و الجوهر من تغلغله فى أفئدة و قلوب بني البشر ، بل إنه حب متسربل بالأخذ ، متشح بالعوز و الافتقار ، دأبه البحث عن قاعدة إرساء له حتى تطأ قدماه ساحة حياتنا . لقد جبل الإنسان وسط جمع من الحاجات و الحوائج التى تحدد دائرة وجوده بين الحياة أرضا فى حالة اشباعها أو انتقاله من عالم الاحياء فى حالة عدم توافرها أو قل  عالم الاسوياء على أقل تقدير ، فاجتماعية
طبيعتنا تقتضى عدم الوحدوية عيشا ، بل التقاسمية بين المرء و غيره هى وقود تحقيق الذات و تقديرها ، فاحساسنا بالوجود نابع من احساسنا بذواتنا قبل كل شيء ، و الرضى عن إثبات و ثبات ذاتية كياننا بين من حولنا هو النواة التى من خلالها نشعر بكل ماهو جميل إحاطة بنا ، لهذا صار حبنا للآخر و حب الآخر لنا هو الإناء الحاوى لكل شبع للروح و النفس ، التى من خلاله نكون بمنأى عن كل ما هو لا إنسانى ، و من هنا نشأ الاحتياج الى الحب الذى يعتبر قمة الحاجات الإنسانية .

إن الحاجة تتطلع دائما الى الانتقاء فيما أمامها حتى تشغل حيز فراغها الشاغر ، و يبرز الاختيار بين كثيرين كلما سما العقل الإنساني و الانسان العاقل مفضلا هذا دون ذاك ، و اختيارى لأحدهم عن غيره ينشأ بوجود ما احتاجه فيه ، و العلاقة بين الحاجة و النقص هى علاقة وثيقة ، فأحدهما دافع للاخر ، فاحتياجى الى ما ينقصنى دافع و حافز للبحث عن ما أحتاجه لنقصى ، و احتياجى عندما أجده فى غيرى يقتضى امتلاك هذا ال غير إلى ما يؤهله لمحبتى له ، بهذا كان و سيبقى الحب احتياجًا و أخذًا و ليس دافعا فى ذاته . فالحبيب دائما أبدا يجد ما يحتاجه فى المحبوب ، حتى حب الأم لاولادها ، تحتاج فيه المرأة إلى إشباع أقوى ما فطرت عليه و هو غريزة الامومة ، و كانت محصلة ذلك هو بحثنا اللامتناهى عن من يحبنا لذواتنا ، و  النتيجة لا شيء ! فهذه هى طبيعة الإنسان ما لم يدخل عنصر أسمى من كونه إنسانًا فيغير من طبيعته الناقصة هذه ، يجعل الحب بداخله هو حبا فى ذاته و لذاته ، و ليس أرضيٌ ما هو قادر على ذلك سوى السماء حيث الله ربها .

فعندما يشرق بالقلب نور الحب الالهى ، عندئذ فقط يكتمل نقصى فأصبح بذلك معطاء بذا الحب السماوى الكائن بقلب الكمال - قلبى - و لكنه ذلك الكمال النسبى الذى يستمد عظمته من مطلق كمال الله ، يصير به حبى للآخر ليس هو بالحب الاحتياجى ، بل يغدو حبا ذاتيا مآله هو  العطاء المتجرد من الأخذ و الامتلاك ، ينمو و يزداد إلى أن يصير بداخلى نبعا و غمرًا ، تدفقًا و فيضا ، فيتحول الى تلك الصورة العظمى الكاملة فى ذاتها ألا و هى " المحبة " .