حمدي رزق
الاجتراء الإثيوبى على حقوقنا المائية بلغ مبلغه، لقد تجاوز الإثيوبيون المدى، آبى أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، سادر في غيه «مخططه»، حجز «١٧ مليار متر مكعب» من مياه النيل خلف السد، وولّد (٣٥٠ ميجا) كهرباء، ويحتفل هناك في أعلى الهضبة الإثيوبية.

يمارس صلفًا، وتصرفًا أحاديًا مستفزًا، مضافًا إلى استفزاز المرحلتين (الأولى والثانية من الملء)، وينتوى مزيدًا من الاستفزاز مع دخول فيضان الصيف، يعتزم الملء الثالث، سيكون من الخطورة وتهديد المصالح المصرية- السودانية.

وزارة الخارجية سجلت في بيانها موقفًا مصريًا محترمًا، ولفت أنظار العواصم المعنية بتفكيك الأزمة إلى استمرارية النهج الإثيوبى المتغطرس، الأحادى، إمعانًا من الجانب الإثيوبى في خرق التزاماته بمقتضى اتفاق إعلان المبادئ لسنة ٢٠١٥، الموقع إثيوبيًّا من قِبَل رئيس الوزراء الإثيوبى الراحل «ميليس زيناوى».

البيان السودانى جاء مكملًا للبيان المصرى، ومؤكدًا الموقف الثابت لدولتى المصب، معلوم، رئيس الوزراء الإثيوبى يتخارج من أزماته الداخلية بتصدير الأزمات في حوض النيل، كلما استحكمت الأزمة الإثيوبية لفت الأنظار عنها باستدعاء قضية السد، توليد الكهرباء ولو بميجا واحد استفزاز سياسى خبيث ومفضوح.

من قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقى، مجنون ليلى، نقتطف بيتًا: «جئت تطلب نارًا.. أم تُرى جئت تُشعل البيت نارًا؟!»، والسؤال: جئت تطلب «قمة ثلاثية»، أم تُرى جئت تُشعل حوض النيل نارًا؟! دعوة آبى أحمد لقمة ثلاثية بعد خروقات متعددة ومستدامة وفق نظرية الأمر الواقع لا تستقيم سياسيًا، دعوة ملغومة مخاتلة، تستهدف موافقة ضمنية على ملء السد، وتوليد الكهرباء، ثم بعدها نتفق؟!

آبى أحمد، بالسوابق، لا يُؤتمن، ولا يُصدق، ولا يُؤخذ منه عهد شفاهى، ينكص دومًا، وليس أهلًا للثقة السياسية، ودعوته لقمة ثلاثية ليس لها محل من الإعراب بعد هذه الخطوة التي جاوز فيها المدى عدوانًا مباشرًا، وانتهاكًا فاضحًا، وتجاوزًا لكل الأعراف والاتفاقيات والالتزامات الدولية.

لا يأبه بالاتفاقيات، ويضرب بها عرض الحائط، وينكص عن العهود، ويتملص من الاتفاقيات، يريدها قمة على مقاسه ولأهدافه، يرفع بها أسهمه السياسية داخليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، على حساب عواصم صبرت على مخططاته طويلًا.

«لقد طفح الكيل» و«بلغ السيل الزُّبَى» حتى «لم يبقَ في قوس الصبر منزع»، ثلاثة أقوال درج العرب العاربة على التلفّظ بها عند نفاد الصبر أو تفاقم الأمور إلى حدٍّ لا يمكن السكوت عنه، أو الصبر عليه.

هذا حال دولتى المصب في مواجهة أخطر تهديد وجودى لشعب البلدين، لو كان آبى أحمد جادًّا، وعازمًا على عدم الإضرار بالمصالح المصرية- السودانية المائية لكان طلب عقد القمة قبل الإقدام على هذه الخطوة المتقدمة بتوليد الكهرباء، ولكان وقَّع اتفاقًا قانونيًّا ملزمًا بالحفاظ على الحقوق المائية لدولتى المصب، ساعتها لكان حفله البائِس بتوليد الكهرباء محل احتفاء.

الداخل الإثيوبى يغلى، وعزف عن سياساته العدائية، لم يحتفل كما كان متوقعًا بتوليد الكهرباء، يخشى الشارع الإثيوبى توليد المشاكل قبل الكهرباء، وتصديرها إلى الأشقاء عند المصب. عدم الاحتفال محليًّا يقول الكثير، رسالة بعلم الوصول.
نقلا عن المصرى اليوم