بقلم المهندس باسل قس نصر الله
كُلُّنا سمِعنا عن الإيزيديين وخاصة الإنتهاكات الخطيرة الي قامت بها "داعش"، مِنْ قتلِ رجالهم وسبيِ واغتصابِ نِسائهم، وبيعهم في سوق النخاسة التي أرادوا أن يعيدوننا بها إلى عصور الإماء والسبايا والمَخصِيّين والجواري.
لم تكن هذه المذا بح والإنتهاكات التي قامت بها "دا عش" هي أولاها، فالتاريخ يُعلِمنا عن العديد منها، فمِن عام ١٧١٥ م قام "حسن باشا" والي بغداد بمجزرة رهيبة، إلى عام ١٨٣٢ م حيث غزا "بدرخان بك" أمير "بوهتان" منطقة الشيخان، وبينهما اختطاف ستين إمرأة إيزيدية من قبل قوات "سليمان باشا" والي بغداد في عام ١٧٩٤ م، وقبلها بقليل أرسل "أمين باشا" حاكم "الموصل" إبنه ليغزو منطقة سنجار التي يقطن فيها الإيزيديون.
تاريخٌ من القتل والسلب والسبي والإغتصاب منذ عام ٣٠٠٠ ق. م. الى "داعش"، حيث عانى معتنقوا الديانة الأيزيدية كل هذه الإنتهاكات. ولم يكن صعباً الحصول على تبريرات من أجل تكفير الإيزيديين والسماح بقتلهم والإستيلاء على ممتلكاتهم البشرية والمادية.
منذ أكثر من أربعين عاماً وأنا أنسج العلاقات الأخوية مع المكوِّنات المتعددة في سورية، إثنية أو دينية، من خِلالِ قناعتي أن ذلك سيساهم في السِلم الأهلي، وقد نَجحتُ في الكثير، وفشلتُ في بعضها.
تعرّفتُ على بعض الإيزيديين في الجامعة والعمل، وقد كانوا - حينها - شيئاً غامضاً في معتقداتهم الدينية، لكنهم أناسٌ طيِّبون بالعموم، وصادقون بالتعامل.
وبَدأتُ قِراءتي عن الديانة والتاريخ الإيزيدي، حتى توسَّعَت معرفتي بهم وكوَّنتُ صداقاتٍ كانت مبنية على الإحترام والثقة، والفهم لِمعتقداتِهم، فالإيزيدية هي ديانة كردية بامتياز، وكلمة "إيزيدي" تعني الروح الخيِّرة وغير الملوَّثة وقد وُجِدت مكتوبة بالخط المسماري في العهد السومري، كما لمستُ دعوتهم إلى الله فيقولون: "يا رب ارزق الناس ثم ارزقني"، وهم يؤمنون بوحدانية الله والجنة والنار ويوم الحشر والحساب.
دُعيت منذ فترة إلى احتفال عيد "خضر الياس" وهو مقدس عندهم، ولا ننسى أن الياس هو إيليا وهو أحد الأنبياء المهمّين في اليهودية والمسيحية والاسلام، كما أن القدس كانت تُسمّى "إيليا".
إستشهدتُ في كلمتي التي القيتُها بالحفل بحديثٍ شريف عن الرسول محمد "ص": "الأرواح جنودٌ مجنّدة فما تعارف منها إئتلف وما تناكر منا اختلف" وأكدّتُ أن طريق السلم في سورية هو أن نعرف بعضنا البعض.
أحزن لِما حَدَثَ في سوريتي، من هجومٍ لِبرابرة العصر الذين ما كانوا لِيكتفوا بالإيزيديين بل استباحوا وقتّلوا كل الطوائف الدرزية والعلوية والمرشدية والإسماعيلية والمسيحية وغيرها، فكان "جنون الدماء" هو الذي يحرِّكهم.
سورية مزهرية جمعت كل هذه الورود التي أعطت عَبَقاً خاصاً يحمله الإنسان السوري.
أعياد كل السوريين هي أعيادي، وأفراحهم أفراحي وأتراحهم أتراحي.
وكأني بالإمام محيي الدين ابن العربي في رائعته:
"أَدينُ بدينِ الحُبِّ أَنّى َتَوجَّهَتْ ... ركائِبُهُ فالحُبُّ ديني وَإِيماني"
اللهم اشهد اني بلغت