خالد منتصر
نندهش من دفاع أوروبا عن العلمانية بهذه القوة، الإجابة لأنها دفعت الكثير، وهذه قصة مذبحة سانت بارتليمى الطائفية، التى كانت من ضمن ما مهّد للعلمانية فى أوروبا.

الحكاية بدأت بحفل زفاف فى القصر الملكى بباريس، تمت دعوة زعماء البروتستانت إليه، وانتهى زفاف الدم هذا بأن انقض عليهم الجنود الكاثوليك ومزقوهم بسيوفهم وهم يغطون فى النوم!، ولكن هل اكتفى القتلة بالزعماء فقط؟، إنها ساقية الدم التى ما إن بدأت فى الدوران فلن تتوقف، انتابت الكاثوليكيين فى شوارع باريس نوبة هياج هستيرى، وصار كل من يصادفه أى بروتستانتى فى الشارع، سواء امرأة أو عجوز أو طفل يقتله ويذبحه، لا تفرقة ولا رحمة، امتد القتل من الشوارع إلى البيوت التى اقتُحمت، بلغت الحصيلة فى ثلاثة أيام فقط ثلاثة آلاف قتيل، اشتعلت النار فى المدن الأخرى وامتدت خارج باريس، صار الثأر كرة بنزين معلقة فى ذيل قط مذعور داخل حقل قمح مشتعل، صارت بوردو وتولوز وروان.. إلخ، ساحات إعدام للبروتستانت، ارتفع الرقم إلى ثلاثين ألف قتيل، وقد هنأ البابا غريغوار الثالث عشر ملك فرنسا على هذا العمل الجليل الذى أدّى كما قال إلى استئصال «طاعون الزندقة» من مملكة فرنسا الطاهرة، وتلقى الخبر بصفته علامة على عناية الله ورحمته، واشتعلت الحروب الأهلية وبلغت ذروتها فى عصر لويس الرابع عشر الذى أمر بسحق البروتستانت إذا لم يعتنقوا الكاثوليكية، وكانت النتيجة هجرة ستمائة ألف بروتستانتى، وكان تعليق بوسويه، زعيم الأصولية الكاثوليكية مخاطباً لويس الرابع عشر: «لقد ثبتّ أركان الإيمان يا جلالة الملك واستأصلت الهراطقة، وهذا هو أكبر عمل جليل يحصل فى عهدك، فبك زالوا واندثروا، والله وحده أتاح لك هذا الإنجاز الذى يشبه المعجزة، يا ملك السماء احفظ لنا ملك الأرض».

لكن هل الأمر كان متعلقاً بطائفة أو عقيدة بعينها، الإجابة بالطبع لا، أى دين أو عقيدة تلعب سياسة وتُقحم السماء فى شئون الأرض ستنتهى إلى النفق المعتم نفسه، ففى إنجلترا حدث العكس، المهرطقون صاروا هم الكاثوليك، وصار الله مع البروتستانت ضدهم فجأة، وكانت مجزرة «دروكهيدا» الأيرلندية هى الفوتوكوبى لمجزرة سانت بارتليمى، فى سبتمبر ١٦٤٩، عندما وصل كرومويل بجيوشه أمر بقتل الكاثوليك، وعندما قيل له من الممكن أن يكون بينهم مؤمنون، كان رد كرومويل «اقتلوهم جميعاً، فالله يعرف عباده الصالحين»!، صار هو المتحدث الرسمى باسم الله، قتل فى تلك الحملة ما لا يقل عن نصف مليون كاثوليكى أيرلندى فى دوركهيدا فقط، وتم حرمان أى كاثوليكى من أى وظيفة ما عدا الطب!، وتم منعهم من تدريس عقيدتهم، ومنعوا من امتلاك أى سلاح أو حصان يزيد ثمنه على خمسة جنيهات!، قام فولتير بعمل إحصائية تقريبية لضحايا القتل والحرق والشنق باسم الله فى أوروبا، فوجدهم تسعة ملايين وأربعمائة وثمانية وستين ألف شخص، كلهم ذبحوا قرباناً للرب، إنها قصة احتكار السماء التى دوماً تنتهى بنزيف الأرض، فهل استوعبنا الدرس؟
نقلا عن الوطن