سحر الجعارة
«إكراماً للإنسان».. الفتوى أمر شخصى، ومقتضى التكريم الإلهى أن الإنسان يختار فهم دينه على الوجه الذى يرضيه وليس على النحو الذى يرضى شيخه.. وقد حسم الرسول، عليه الصلاة والسلام، الأمر: «استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك».. الكلمات السابقة للدكتور سعد الدين الهلالى، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، خلال لقاء مع الإعلامى عمرو أديب، على شاشة Mbc مصر.

ويستكمل الدكتور «الهلالى» متسائلاً: (هل الفتوى والدين حاكم للشعب أم القانون؟.. ما دام الأمر جللاً ومهماً ونظرتك أن الفتوى تحكم الشعب فالمطلوب توحيد جهة مصر. الإفتاء.. فهل الفتوى وهل الدين هو الحاكم للشعب.. أم أن الدين حاكم للإنسان على نفسه والقانون يحكمنا؟.. هتعمل لى «ولاية الفقيه نفذ تجربة إيران ببساطة».. وقل للشعب اتركوا القانون واذهبوا لهذه الجهة)!!.

الفرق بين الفقه والفتوى أن الفقه متعدد والفتوى أحادية.. طيب، نحاول تبسيط الرؤية التنويرية بمثال: إذا أوقع الزوج يمين الطلاق شفاهة (يقع شرعاً بحسب رأى الأزهر)، ولم يوثق هذا الطلاق ما الذى يترتب على هذا الوضع؟.. أولاً: حرمان المرأة من احتساب شهور العدة ونيل مستحقاتها المادية المترتبة على الطلاق وجعلها «أسيرة»، أو كما يصفونها «معلقة»، يقول الله تعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) «المعلقة»، يعنى: كالتى لا هى ذات زوج، ولا هى أيِّمٌ.. سوف تلاحظ هنا أن عدم تطبيق القانون وتوثيق الطلاق ترتب عليه إهدار الشرع ومخالفة القرآن صراحة.. وإذا افترضنا حسن نية الزوج فقد يريد مثلاً إعادتها لعصمته وهذا «تعنت فى استخدام الحق»، كما أنه وحده من يحسب عدد الطلقات وقد يعاشرها بعد الطلاق البائن!.

إذا حلت الفتوى محل القانون وأصبحت بترخيص كالخطابة فى المساجد ومهنة تدر عائداً ستتغير بحسب «هوى المستفيد»، بينما لدينا جهة شرعية ومؤسسة رسمية تضم خيرة العلماء ويطرق بابها كل مسلم فى العالم وهى «دار الإفتاء المصرية».

نحن لسنا بحاجة لولاية الفقيه ولا بتخصيص «مفتى لكل مواطن».. نحن بحاجة لقوانين تلتزم بالأديان السماوية وتحترم حرية العقيدة لمن هم خارج دائرة الديانات الإبراهيمية (الدستور المصرى ينص على هذا صراحة).. لسنا بحاجة لمحاكم تفتيش تشق الصدور وتعلق المشانق وتكفر البعض لأنه «خالف الفتوى واتبع فقيهاً آخر، لاحظ أن الأئمة الأربعة تختلف آراؤهم فى الموضوع الواحد».

الدكتور سعد الدين الهلالى طالب «مجلس النواب» بأن يشرع قانوناً يجرم «الفتوى التى تخالف القانون»، مشدداً على أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أكد أن الإنسان يفتى لنفسه، وتابع: (وعليه لا يوجد وسيط بين العبد وربه، ولا يوجد أحد مفوض عن الدين بأن يتكلم عنه، وتخصيص من لهم حق الفتوى يعد نكسة حضارية ولا يليق بتاريخ مصر المتنوع).. لاحظ أن هذه القوانين تمت مراجعتها من آلاف العلماء وعُرضت على الأزهر قبل صدورها أيضاً.

ويصك «الهلالى» مصطلحاً جديداً بمطالبته بإنشاء جهاز يراقب «الخطاب الدينى الخائن علمياً»، موضحاً أن من يخرج ويقول إن هناك أحد العلماء قال بكذا ولم يقل الفقيه أو العالم بذلك يجب أن يخضع للعقاب.. وهو هنا يحمى الخطاب الدينى المستنير من عبث الكهنة.

الآن علينا أن نختار إما «القانون» حكماً يوحّد الشعب بمختلف أديانه وعقائده «إنسانية وسماوية»، وإما ننصب «ملالى السنة» يغتالون الإنسانية وينشرون الفوضى ويعلقون المشانق وينشرون فوضى دموية بتصريحات القتل والردة والتكفير و«الحدود الوهمية».
نقلا عن الوطن