المطران جورج خضر في عيدِه الثامنِ والتسعين..!
الدكتور جورج كلاّّس
 الدلالةُ الإيمانيةُ والفلسفيةُ التي إنطَبَعَتْ بها عِظاتُ المطران جورج ومقالاتهُ المكتوبةُ تَمجيداً  والمَلْفوظَةُ  تعظيماً، تُشَكِّلُ بِبُنيَتِها الفكريَّةِ واللاَّهوتِيَّةِ رُكْنَ الزاويةِ في الشروحاتِ الكَنَسيَّةِ الأنطاكيّةِ ، و في كَوْنِيَّةِ اللاَّهوتِ المسيحيِّ والكوزموبوليتيَّةِ الإنفتاحيَّةِ لِعُمقيَّاتِ التلاقي السَوِيِّ بينَ الدياناتِ والحواراتِ والحضارات.

عَرفتُ المطران جورج خضر ، المؤمِنُ الشامخ  ، كما يحلو  #للمونسنيور_منصور_لبكي أن يصفه ، من خلال ( آحَاداتِه و سُبوتِهِ ) في جريدة { #النهار } ، وتعرَّفتُ إليه أَعمقَ من خلال مقابلات طويلة أجريْتُها ضمنَ مَلفّاتٍ في ( ثقافية النهار ) بإشراف #شوقي_أبي_شقرا ، وأبرزها مِلفّانِ شاركَتْ بها  نُخَبٌ مُفَكِّرَةٌ ومُثّقفة ، هما ( المُثَقَّفُ والإيمان ) و ( المُثقَّفُ والمَوْت )..!

وأَدمَنْتُ التَثَقُّفَ عليهِ  والغَرْفَ من شُموخِيَّتِهِ و مهابَةِ فكره الى أن أصبحْتُ من مُريديهِ و مُقلِّدي فِكرِهِ الإيمانيِّ المُنْبسِطِ  شَرْحاً  في المَنظوراتِ  ، والعَمِيقِ الغَوْرِ في الماورائيّاتِ ، والذي أَجْهَدَ و إِجْتَهَدَ لإبتكارِ مُصطلحاتٍ و تَوليفِ تراكيبَ ولَفْظِيَّاتٍ تتَوافقُ مع مَخزونِهِ الفِكريِّ وفلسفةِ الإيمانيَّاتِ العَقيديَّةِ التي كان يَستنِدُ إليها في كِتاباتِه و عِظاتِهِ و قَوْلاتِهِ  لِتتواءَمَ معْ مُستلزماتِ أَيِّ ظَرفٍ و مُتَطَلِّباتِ أَيِّ مَوقف.

في  {منهجية نَقْدِ  الخِطابِ  و فَهْمِهِ}  ، تَعَلَّمْنا قاعدةً ذَهَبْاً  في عمليةِ التَفكيكِ والتَحليلِ، مِفتاحُها أن أوَّلَ قِطعَةٍ يَتُمُّ تفكيكُها بهدفِ التحليلِ والفَهمِ ،  تكونُ آخرَ قِطعةٍ  علينا رَصفُها في إعادةِ التركيب.

من هذا المنظورِ الأسلوبي الكثيرُ المُعجَمِيَّاتِ المُتخصِّصةِ في الدينِ والفلسفة والتاريخ والحضارة، بَنى المطران جورج قاموسَهُ الكِتابيَّ الخاص ، و أّسّّسَ مَدرَسةً فكريةً إلهامِيَّةً ، إِنتَسبَ إليها كثيرونَ عَنْ فَهْمٍ و قَصْدٍ و إرادة شديدةٍ بالتثقُّف إنضَمَّ الى صُفُوفِها كثيرونَ رَغْبَةً بالإستِزادَةِ و الفَهْمِ أَكْثَر ، لأَنَ النَاهِلَ من نَبْعِهِ يَغُبُّ غَبَّاً متى  غَرَفَ و رَشَفَ و إِستَهْنَأ ، و يَتمنّى لَوْ أنَّ بمقدورِهِ أَنْ يَعْتَمِدَ بمَجرى مَاءِ فكره مَرَّتَين..!!!

في مجموعةِ عِظَاتِهِ و مقالاته الصادرة في مُجَلَّداتٍ ثلاثةٍ بعنوان {{ المُعَلِّمُ }} ، والمُوَزَّعَةِ على  ثلاثةِ  مَحَاورَ  مُتكامِلةِ المواضيع و مُتْقَنَةِ التَصْنيفِ و مُحكَمَةِ التوثيق بين ( الأعياد السيديّة ) و ( القديسون) و ( آيات وطقوس)، والتي اهداني إياها القاضي الرئيس نسيب إيليا ،  حَرِصَ سيادتُهُ أَنْ يَكْتُبَ للنخْبَةِ التي تُريدُ أَنْ تَقْرأَ  وتَغتذي وتنمو بالمعرفة. ولمْ تَكٌ أُسلوبِيَّتُهُ هذهِ شكلاً من صُنوفِ الكتابةِ الأرستقراطيَّةِ أبداً ، بل إنه لِشِدَّةِ غَرَقِهِ بالمَسيحِ فِكراً وإيماناً وسُلوكاً ، وتَشَبُّهاً بالسيِّدِ  وجَعاً و حِكمةً  ، و حُبَّاً بالمَصلوبِيَّةِ ، جاءَتْ مَقَالاتُهُ كِتاباتٍ نَوْعِيَّةً وأفكارًا مُتَنَوِّعَةً  و نَسيجَ وَحْدِه. وهذهِ من علاماتِ التَمايُزِ  في صِناعةِ الكتابةِ المَضغوطَةِ والشديدةِ الإختزالِ  والكثيرةِ اللُصُوقِ بالمَقَاصِدِ التي إرتكزَتْ عليها بِنائِيَّاتُ (النَصِّ المُخْتَلِفِ ) .

المطرانُ المِلفانُ جورج خضر ، عَلاَّمَةٌ بِبَساطَتِهِ ، فَهَّامَةٌ بطروحاتِهِ ، رَسولِيٌ بِعظاتِهِ العُمقيَّةِ  ، و مِثالِيٌ بِفَقْرِهِ الى اللهِ الذي نراهُ في مُحَيّّاه ، والعَفيفُ بِشِدَّةٍ  عن مباهِجِ الدُنيا ، و الدائِمُ التَوْقِ لِمُلاقاةِ رَبِّهِ بِثَوبهِ الأبيض الكثير النورِ و طَلَّتِهِ ذاتِ البَهاءِالباهِر .

سِرُّ المِهنَةِ في أسلوبيِّةِ كتاباته-العِظات التي توزّعت بين ١٩٧٢ و ٢٠٠٥ ، أَنَّه كان يعرفُ ماذا يكتبُ ؟ و عن ماذا يكتبُ ؟ وكيفَ يكتبُ ؟ ومتى لا يكتُبُ؟
لكنَ الُّلغْزَ الأصعَبَ كانَ في السؤال الخامس ( لِمَنْ يَكْتُبُ؟ ) ..!

وفي مقالٍ لي في (النهار )  ١٩٩٩ ،حول أسلوبياتِ الخِطابِ في عظاتِ المطران جورج خضر و مقالاته ، والتي كانتْ تِشْكِلُ أفْهامُها على كثيرين   لإغراقهِ نَصَّهُ بالفلسفياتِ  والتعريفاتِ والإستشهاداتِ الكِتابيَّة ،  أنتهيتُ الى خُلاصَةٍ  ، على مسؤوليتي ،هي أنَّ المطران جورج خضر  يَكْتُبُ لِيُسْمَعَ و يُفْهَمَ، بمعنى أنّه يكتُبُ للأُذُنِ وليسَ لِلعَينِ...حَسٌبُهُ أنَّهُ مَذْبَحِيٌ يرى الى كلِّ الناس على أنّهم جالسونَ في الصفوفِ الاولى لكنيسة الأحدِ ، وأنّهُ الواعِظُ /الراعي الحَريصُ على الخرافِ ، والجَوهَرجِيُ الصائِغُ الذي يَحْتَرِفُ تَركيبَ الدُرَرِ في واسِطَةِ العِقدِ الكثيرِ الفرادةِ والغنيِ بالجَمال..!

المطران جورج خضر ، اللبناني العربي الفخورُ بِمَجْديَّاتِ كنيسته البيزنطية الأنطاكية ، هو الرسول الثالث عشر من تلامذةِ المُعلِّمِ الرَّب الأحياء.. !
الدكتور جورج كلاّّس