كتب – محرر الاقباط متحدون
وجه المفكر والطبيب خالد منتصر، رسالة عبر حسابه الشخصي على موقع فيسبوك، حملت عنوان (الاعشاب وكراهية العلم)، وجاء فيها :
لماذا تكرهون الأعشاب ؟ سؤال طرحه الكثيرون مستنكرين القبض على صيدلي يتاجر في الأعشاب ويعالج بها بعد أن يناظر المرضى ويشخص أمراضهم ويصف لهم بروتوكول العلاج من خلطة الكركم والبردقوش وحبة البركة ..الخ حتى صار هذا الصيدلي من مليارديرات مصر ،يشتري الفضائيات ويؤجر الغلابة للخروج أمام الشاشات للترويج لخلطاته الوهمية ، إجابتي على هذا السؤال المستنكر هي أنني ومن معي من محاربي تلك الخرافات، أننا لسنا ضد الأعشاب ،ولكننا ضد النصب بالأعشاب.
فهناك أدوية كثيرة مستخلصة من النباتات والأعشاب ، فأشهر دواء في العالم والصامد حتى الآن ،هو الأسبيرين ، وهو من لحاء شجرة الصفصاف ، ويستخدم كمسكن وأيضاً وقاية من الجلطات،وجرعة هذا مختلفة عن ذاك، والديجيتاليس دواء القلب الشهير مستخلص من الأعشاب،وكذلك الأتروبين القطرة الشهيرة التي نستخدمها قبل فحص العيون ،وأدوية كثيرة ومتعددة ،لكن مايجمعها هو أنها جميعاً دخلت نطاق البحث العلمي والصيدلي المنضبط.
ترويض العلم لتلك الأعشاب هو في ضبط درجة السمية والجرعة ومعرفة الأعراض الجانبية والتفاعلات الدوائية مع أدوية أخرى ..الخ، فالعشب يأتي من عالم الفوضى ليدخل "تراك" الصرامة العلمية والمراقبة الدوائية ، وهذا هو سر تقدم علم الطب أو مانطلق عليه الطب القائم على الدليل ، وكل الأيادي البيضاء للطب نابعه من هذا المنهج الصارم، سواء المضاد الحيوي أو دعامة القلب أو منظار الرحم أو قرص علاج الضغط ..الخ.
الدواء يمر بمراحل طويلة من التجارب في المعمل وعلى الحيوانات والبشر ، يعتبرها البعض مملة وتكلفتها بالمليارات ، لكنها مهمة لأنك تتعامل مع صحة البشر، والدواء لايستحق هذا الوصف إلا بعد موافقة هيئة الFDA هيئة الغذاء والدواء الأمريكية ثم موافقة الرقابة الدوائية في البلد نفسها ، وهذا الصيدلي أو الذي ليس من حقه قانوناً أن يكشف ويشخص ويعالج ، طريقة إعلانه لاختراع أدوية بدون المرور بتلك الخطوات هي إستخفاف بل جريمة نصب لاتغتفر وتجارة بأرواح الناس ، والمدهش أن المخدوعين ممن يذهبون إليه ليسوا فقراء ،فعلاجه ليس رخيصاً بل يتكلف ألاف الجنيهات ،وأيضاً من يلجأون إليه ليسوا جميعاً جهلة ،فبينهم أساتذة وفنانين وإعلاميين وكثير من النخبة ! .
إذن السؤال المهم ماذا حدث للمصريين لكي ينخدعوا بتلك البساطة ؟ ولماذا أصيب جهاز مناعتهم الثقافي والنقدي بهذا الإيدز الخطير ،فصاروا نهباً لفيروس خرافات الشفاء بالسحر والشعوذة ؟! لماذا صاروا يكرهون العلم ويشمتون فيه ويبحثون عن بديل في التمائم والتعاويذ والأعشاب الوهمية ومايسمونه الطب البديل ؟.
هذا هو السؤال الذي يستدعي احتشاداً من الجميع ،دولة ومثقفين ،شيوخاً وشباباً ، فكيف تم إختراقنا بادعاءات وكذب مثل مانشاهده كل يوم على شاشاتنا ؟ كيف يقتنع رجل محترم أو امرأة ناضجة بأن دواء يشفي كل الأمراض ،من الإسهال إلى السرطان، ومن العقم إلى السكر!!؟ بل كيف ونحن في القرن الحادي والعشرين مازلنا نقول هذا الدواء يشفي الكبد أو القلب ..الخ ، لايوجد دواء لعضو ما ،ولكن هناك دواء يعمل على إنزيم ما أو هورمون معين أو يكسر سلسلة دي ان ايه عند نقطة محددة أو يعمل على الصوديوم أو الكالسيوم ...الخ.
هذه هي طريقة الحديث العلمية عن الأدوية ، فنحن لسنا في مزاد للخضار في السوق ،ولكننا أمام أبحاث علمية معتبرة ومحترمة بذلت فيها الشركات الجهد والمال، وسهر عليها العلماء سنيناً طوال ، ومن العيب بل من المساخر أن يخرج علينا عابر سبيل ليصرخ في وجوهنا أنا قد اخترعت الدواء السحري الشافي لكل الأمراض الحادة والمزمنة، لابد أن نحترم العلم ومعاييره ونستلهم روحه وشكه ووسوسته ومنهجه ، لابد أن نفعل ذلك لأنه ببساطة وبدون سفسطة لايوجد بديل للتقدم سوى العلم ، مسيرة العلم الطويلة ونجاحاته الأسطورية وبصماته المؤثرة وإختراقاته المذهلة ،صنعتها الملاحظة والتجربة والشك والمعامل والمعادلات ،لم تصنعها الجلا جلا ولا الأعمال السفلية ولا الاستعانة بالقوى الخارقة أو المعجزات الغامضة ، العلم هو معجزة الحاضر ، معجزة نبحث عنها في أنابيب الاختبار ومختبرات مراكز البحث واحصائيات جامعات العلم الحقيقي ،وليس في جلسات زار العلم المزيف .