سحر الجعارة
تساءلت فى المقال الماضى: ماذا نحن فاعلون؟ بعد أن أطاح سمو الأمير «محمد بن سلمان»، ولىّ العهد السعودى، بهالة تقديس التراث الإسلامى، والمملكة على وشك إصدار كتاب لصحيح إثبات الأحاديث، ليهدم أمام أعيننا ما ألفناه من أن تصحيح الأحاديث إنما هو يعنى أن تضع اسم كتابى «البخارى ومسلم» وكفى، فبعد التفرقة بين الحديث المتواتر وحديث الآحاد والثورة على التراث المحنط التى تقوم بها «السعودية الجديدة» علينا إذاً أن نسأل ونسائل الدكتور «أحمد الطيب»، شيخ الأزهر، حول الكثير من القضايا الفكرية المطروحة منذ سنوات وما زال التعتيم مصيرها أو السجن والتكفير والتصفية المعنوية مصير كل من يحاول تجديد الفكر الدينى. فمثلاً: هل سيظل تعريف «الكافر» كما فى كتب الفقهاء بأنه «من يدين بدين غير الإسلام» مما يفتح الباب الواسع للتكفير ومن ثم الإرهاب؟.. وهل ستظل الأحاديث المنسوبة للرسول أن «ذنوب المسلمين ستُلقى على اليهود والنصارى يوم القيامة» ثابتة فى مكانها فى العقل الإسلامى؟ هل ستظل أدبيات نشر الإسلام فى العالم والحلم بفتحه (غزوه) متروكة كمرجعية لـ«داعش»؟ هل ستظل تعبيرات وتعريفات «المرتد» متروكة فى الكتب وتوصيف علامات المرتد التى تقارب المائة علامة وصولاً لتركه فرضاً واحداً من الصلاة.. حتى أصبحت تهمة «الردة» موضة لقتل من نختلف معه من «المسلمين؟ هل سيظل الوطن وتعريفه و«المواطنة» ومعناها خاضعين لما فى كتب التراث من ادعاء كفر أى رابطة غير رابطة الإسلام؟ هل سيظل «الحاكم الشرعى» هو خليفة المسلمين الذى اختفت خلافته وأن من دونه ليس حاكماً شرعياً؟ هل سيظل «الإسلام دين ودولة» وليس ديناً فقط وهى القاعدة التى تستند عليها كل الجماعات التكفيرية لإسقاط الأوطان بدعوى أنها «دول كافرة» لا تحكم بالإسلام؟ هل ستظل مفاهيم «جهاد الطلب» وأن الجهاد بالاعتداء والغزو باقٍ مع بقاء الإسلام وهى التعريفات التى تملأ التراث رغم أنها تجافى القرآن؟ هل ستظل سيرة وحكايات غزوات الرسول المدوَّنة فى أقوى كتب الحديث متروكة بلا تنقيح أو حذف وهى التى تعج بالكذب والدموية مثل حكايات «خيبر وبنى قريظة» مما يدعم مناخ العنف؟ هل سيظل الدفاع عن اسم وكتب «ابن تيمية» التى لا يشك أحدنا أنها المنبع الأول لكل فتاوى الدم والقتل باسم الدين بينما قامت بعض الدول بحظر كتب ابن تيمية وبالذات «الفتاوى الكبرى»؟

فضيلة الإمام الأكبر، أنا أسأل ولى عقل يرشدنى كيف أتوجه: هل ستظل «حقوق المرأة» والأحوال الشخصية على ما هى عليه؟ هل ستظل تفسيرات «واللائى لم يحضن» والأحاديث التى تبيح «زواج الطفلة» والآراء الفقهية المجمعة على ذلك تطيح بكل قانون يحمى الصغيرات بزعم أنه «مباح فى الدين»؟ هل ستظل الأحاديث التى تهين المرأة من تشبيهها بـ«الحمار والكلب» لوصفها بالفتنة للرجال ووصمها بأنها «ناقصة عقل ودين» وآلاف الإساءات المدونة فى أحاديث منسوبة للرسول وأقوال جامعة للفقهاء والمفسرين، هذا بخلاف الكثير من المسائل الفقهية فى «ميراث المرأة» والتى تقلل من النصيب المنصوص عليه لأنها آراء مستقرة فى المذاهب؟ هل ستظل قوانين الأحوال الشخصية و«الطلاق الشفهى» تطيح بالمرأة وتعصف بها وبإنسانيتها؟ هل ستظل «شهادة المرأة» نصف شهادة الرجل رغم أنها فى مصر «قاضية»؟!

وأسأل نفسى بعد هذه الأمثلة: هل سنجد أنفسنا أمام إسلام مصرى خارج نطاق وسياق العصر لمجرد أن المؤمنين بالتجديد والإصلاح والتنوير يواجهون بشراسة من أصحاب «السلطة الدينية» والسطوة الروحية على البشر، دفاعاً عن «مناصبهم الرفيعة»؟ هل سنرى يوماً قريباً نسخة من إسلام عصرى حداثى مدنى أنضجته السعودية الجديدة ونقول نحن فى مصر يا ليتنا اتخذنا معهم سبيلاً؟ الجواب ليس عندى بل عند فضيلة الإمام.
نقلا عن الوطن