يقود زكريا أبو سلطان عربة يجرها حصان، وهو ينادي عبر مكبّر الصوت "من لديه بطاريات تالفة للبيع"، وقد امتهن، لإعالة أسرته الفقيرة، عمل جمع البطاريات التالفة التي باتت تتكدّس بالأطنان في مكب مفتوح في قطاع غزة، متسببة بمخاطر تلوث بيئي كبير.

 
ويجول الشاب (27 عاما) أحياء وأزقة بلدة بيت لاهيا في شمال القطاع لشراء البطاريات المنتهية الصلاحية. وجهّزت العائلات في قطاع غزة نفسها بالبطاريات لاستخدامها في تغطية ساعات انقطاع التيار الكهربائي، بعد تدمير إسرائيل محطة توليد الطاقة الوحيدة في غزة في العام 2006. وتفرض إسرائيل حصارا مشددا على القطاع منذ 2007.
 
وبصوت جهوري، ينادي أبو سلطان الذي يعيل 12 فردا "بطارية متعطلة 16 أمبير بخمسة شيكل (1,5 دولار)، 200 أمبير بـ 50 شيكل (نحو 15 دولارا)".
 
يبيعها بـ70 شيكل
ويقول بينما يشد سرج حصانه لإيقافه تفاديا للاصطدام بسيارة أمامه، "ابدأ بالتجول منذ الفجر من أجل شراء البطاريات التالفة، أشتريها بأحسن الأحوال بخمسين شيكل، وأبيعها لتاجر الخردة مقابل 70 شيكلا (قرابة 21 دولارا)".
 
انتهى اليوم ولم ينجح أبو سلطان إلا بشراء ثلاث بطاريات قديمة قبل أن يذهب لبيعها لتاجر خردة في بيت لاهيا.
 
عند التاجر، تتكدّس أكوام من البطاريات تقدّر بالمئات بالإضافة إلى أجهزة كهربائية وحديد في أرض مفتوحة تقف عند مدخلها عربات تجرها الحمير.
 
في مدينة خان يونس في جنوب القطاع، تتكدس آلاف البطاريات المتهالكة في أرض محاطة بشقق سكنية تبلغ مساحتها دونمين (2000 متر مربع) وترتفع الأكوام أمتارا عدة عن سطح الأرض.
 
ويمكن رؤية السوائل السامة تتسرّب من البطاريات على الأرض.
 
ويقول ابراهيم بركة (28 عاما)، وهو نجل صاحب الأرض، "تراكم و تكدس كميات من هذه البطاريات يضر بصحة أصحاب هذه المهنة أولا".
 
ويتابع "تجميع البطاريات مستمر منذ قرابة 15 عاما بسبب إغلاق المعبر وعدم سماح الجانب الإسرائيلي بتصدير البطاريات" من أجل إعادة تدويرها.
 
ورغم وعي بركة لخطر تلك البطاريات، لا يعتمد إجراءات للوقاية منها. وكذلك لا يفعل أي من العمال أو الباعة المتجولين الذين ينقلون البطاريات بأيديهم.
 
ويقول مدير دائرة المصادر البيئية في حكومة غزة التابعة لحركة حماس المهندس محمد مصلح "يضمّ قطاع غزة أكثر من 25 ألف طن من البطاريات التي تحتاج إلى إعادة تدوير".
 
مكونات خطيرة
وتوجد هذه الكميات في "أماكن عدّة في مناطق مفتوحة ووسط ظروف غير مناسبة لتخزينها".
 
ويضيف "تتكوّن البطارية من معادن ثقيلة ومواد سامة مثل الرصاص الذي يشكل حوالى 60 في المئة من جسم البطارية بالإضافة إلى الزئبق".
 
ويشرح مدير المعهد الوطني للبيئة والتنمية أحمد حلس كيف أن عملية إعادة تدوير تلك البطاريات يمكن أن تشكّل ثروة توفّر مردودا اقتصاديا وتحافظ على البيئة.
 
لكن الواقع أن "أطنانا من البطاريات تتراكم في مكبات وصل ارتفاع بعضها الى أكثر من 40 مترا".
 
وبحسب حلس، "لجأ بعض النباشين لجمع البطاريات بشكل عشوائي من دون أن تكون لهم خبرة في التعامل مع المواد السامة ودون الامتثال إلى القوانين" المتعلقة بهذا الجانب.
 
ويحذّر من أن تلك البطاريات تكون "محاطة ببلاستيك قوي يعملون على تفكيكه في منازلهم وبين أطفالهم".
 
ويشير الى أن "البطاريات موجودة بين الناس وعلى عربات الحيوانات ويحملها الأولاد ونجد الأب أو الابن يحاول فتحها بمفك براغ، وهذا بحد ذاته مهزلة وفوضى"، مضيفا أن هذا يمكن أن يفسّر بعض الإصابات بالسرطان.
 
ويدعو حلس بلديات قطاع غزة إلى "تأسيس نظام لإدارة كل النفايات الخطرة بما فيها البطاريات وسن قوانين وتشريعات ومتابعتها على أرض الواقع".
 
ولا يمكن لسكان قطاع غزة الاستغناء عن استخدام البطاريات، بسبب نقص الكهرباء، علما أن هناك محطة واحدة تؤمن الكهرباء حاليا للقطاع، ولكن التيار غير منتظم، ويرتبط الى حد كبير بتأمين كميات الفيول الضرورية لتشغيل المحطة. ويتم اليوم وصل العدد الأكبر من البطاريات بألواح للطاقة الشمسية على أسطح المنازل.
 
ويوضح مدير المعهد كيف أن إسرائيل كانت تسمح بنقل النفايات الصلبة لإعادة تدويرها في أراضيها، لكنها توقفت عن ذلك مع سيطرة حركة حماس الإسلامية على الحكم في العام 2007.
 
وفي ظل المطالبات المستمرة من التجار في القطاع، سمحت الدولة العبرية مؤخرا بنقل أطنان من الحديد المستخدم لإعادة تدويره.
 
ويقول حلس إن هذه الخطوة أعطت أملا للتجار بإعادة حركة نقل تلك النفايات وإعادة تدويرها خارج القطاع.
 
وقطاع غزة شريط ساحلي ضيق مكتظ بالسكان الذين يبلغ تعدادهم 2,3 مليون نسمة يعاني أكثر من 50 في المئة منهم من البطالة وخصوصا في صفوف الشباب.
 
ولم ترد السلطات الإسرائيلية على استفسارات وكالة فرانس برس حول الموضوع.
 
لكن مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية "كوغات" قال في بيان له قبل نحو أسبوع إنه وضع آلة لطحن خردة الحديد عند معبر كرم أبو سالم "إيريز".
 
وأضاف البيان إن الآلة الجديدة "ستنضم... إلى ماكينة أخرى تعمل بالفعل في المعبر".