مجدي جورج باحث اقتصاد دولي 

للاسف الشديد لم تكن حسابات السيد بوتين كلها دقيقة فالذي ظنها نزهة سريعة وحرب خاطفة سيحتل فيها كييف العاصمة الاوكرانية ويستطيع ان يغير الحكومة القائمة وان يضع حكومة موالية له لم يحدث ، وها نحن دخلنا الاسبوع الثالث من الحرب ولازالت كييف عصيه عليه لبسالة المقاومة من ناحية ولانه  من ناحية اخري لا يريد استخدام كل قوته المميتة ويدخلها علي جثث الاف المدنيين حتي لا تسوء صورته اكثر ولان الاوكرانيين تربطهم صلات ثقافية واثنيه ودينية مع الروس .
 
والخوف كل الخوف ان يكون كل ماحدث هو استدراج وفخ نصب له بعناية لاغراق روسيا في المستنقع الاوكراني تمهيدا لتفكيكها لدويلات صغيرة كما غرق الاتحاد السوفيتي سابقا في المستنقع الافغاني ونتج عنه تفككه  فيما بعد .
ودعونا هنا نستعرض  مقارنه  سريعة بين الوضعين وسيتبين لكم ان الوضع الحالي اصعب واقسي لروسيا عن وضع الاتحاد السوفييتي في افغانستان سابقا :-
اولا عندما دخل الاتحاد السوفيتي افغانستان كانت هناك حكومة شرعية استدعته هي حكومة شيوعيه برئاسة بابراك كارميل وكان هناك جيش موالي الي حد ما له ،  ولكن عند دخول روسيا هذه الايام اوكرانيا كانت هناك حكومة معادية جدا وجيش يقاتل دفاعا عن ارضه .
 
ثانيا عندما دخل الاتحاد السوفيتي افغانستان كان هناك قطبين يحكمان ويتحكمان في العالم والعالم شبه منقسم لمعسكر شرقي واخر غربي وبالطبع المعسكر الشرقي كله والدول الصديقة للاتحاد السوفيتي لم تعارضه بل وايده معظم قادتها ، بينما الان العالم ذو قطب واحد وهو الغربي الذي تتحكم بمقدراته امريكا ولذا عندما عرضت قضية احتلال اوكرانيا في الامم المتحدة لم يقف مع روسيا الا خمس دول منها سوريا واريتريا وروسيا البيضاء وفنزويلا بينما عارضها ١٤١ دولة وهذا اجماع دولي  لم يسبق له مثيل .
 
ثالثا غزو الاتحاد السوفيتي لافغانستان هو غزو لدولة فقيرة ليس لها اصدقاء ولا تهم من قريب او بعيد الاوربيين بينما غزو اوكرانيا يهم الاوربيين لتقاربهم الجغرافي والثقافي ولان تبعات ذلك من مهجرين اوكران ستتحملها دول الجوار الاوربية وايضا لان الاوربيين اصبحوا يخشون علي مصائر بلادهم القريبة من روسيا ولذا  توحدوا جميعا لخنق روسيا .
 
رابعا ما استطاعت امريكا والغرب فعله لمساعدة افغانستان هو مساعدتها بالسلاح الممول سعوديا بصواريخ ستنجر وبعض القذائف والاسلحة الخفيفة بينما مساعدات الغرب كله الان لاوكرانيا يشمل جميع الاسلحة ماعدا الطائرات ويشمل ايضا مساعدات تقنيه وفنيه واستخباراتية وهذا يضعف كثيرا الجيش  الروسي ويزيد من خسائره ونحن في بدايات هذه الحرب .
 
خامسا احتلال السوفيت لافغانستان لم يودي الي مقاطعة كبيرة من الغرب له اللهم مقاطعة دورة موسكو للالعاب الاولمبية في سنه ١٩٨٠ بينما الان احتلال روسيا لاوكرانيا ادي بامريكا الي خنق الاقتصاد الروسي وسحب معظم الشركات الامريكية والاجنبية من السوق الروسي والا ستتعرض لعقوبات امريكية بل واحتجاز الاحتياطي النقدي الروسي الموجود في بنوك الغرب وحجز ممتلكات كبار الاثرياء الروس بالغرب .
 
سادسا احتلال افغانستان حدث في نهايات سبعينات القرن الماضي حيث لا ميديا ولا انترنت ينقل الحقائق فاذا ارتكب الاتحاد السوفيتي اي تجاوزات هناك ما كان سيدري بها احد اما الان فاي تجاوز ترتكبه القوات الروسية في اوكرانيا هو تحت مجهر مئات الكاميرات التلفزيونية  ومئات الاقمار الصناعية وملايين من شاشات المحمول التي يملكها الناس في اوكرانيا والتي تستطيع نقل كل شئ وهذا في حد ذاته حاجز ومانع كبير لاستخدام روسيا كل القوي التي تملكها لانهاء المقاومة الاوكرانية .
 
سابعا ايام الاتحاد السوفيتي كان المواطنين السوفيت يعيشون في عزلة عن العالم وكانت ايدي الكي جي بي واجهزة المخابرات الاخري تمنع اي صوت معارض وكان المواطنين قابعين خلف ستار حديدي لا يستهلكون منتجات الغرب ولا يعرفونها بينما وضع المواطنين الروس الان مختلف فمعظم المنتجات العربية لديهم ومعظم تكنولوجيا الاتصال الغربية  بين ايديهم والستار الحديدي سقط والان بعد ان ذاقوا اجواء الحرية وتمتعوا بالمنتجات الغربية  اتي الغرب بقرارته بخنق الاقتصاد الروسي ومنعهم من معظم هذه الامور فهولاء المواطنين الروس سيكونوا عامل ضغط شديد علي بوتين للتراجع .
 
بوتين راهن علي سرعة الحسم ولكن حسابات الحقل خالفت حسابات البيدر ووضع روسيا الان اصعب من وضع الاتحاد السوفيتي قديما واذا لم يتدارك بوتين الوضع وينسحب سريعا ويكتفي بالمقاطعات الشرقية من اوكرانيا فان غرقه في المستنقع الاوكراني قد يؤدي للاسف لتفكك الاتحاد الروسي .