قال الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم، إنَّ وسائل التَّواصل الاجتماعى والفضاء الإلكترونى بشكل عامٍّ حازت قيمةً كبيرة فى حياتنا، بل هى من نِعم الله عزَّ وجلَّ على البشرية بصفة عامَّة، لقدرتها الفائقة على تيسير حياة الناس وعلى الإسلام بصفة خاصَّة فى نشر تعاليمه السَّمحة إلى أماكن كان من الصعب الوصول إليها.
وتابع خلال لقائه الأسبوعى فى برنامج نظرة مع الإعلامى حمدى رزق على فضائية صدى البلد: "لكنَّ هذه الوسائل بلا شك تُعتبر سلاحًا ذا حدين، حيث أصبحت فى أغلب الأحوال بوابة لافتعال المعارك والخلافات والابتزاز والسبِّ والقذف والتدخُّل فى حياة الناس الخاصة، ولذلك ينبغى أخذ الحِيطة والحذر والابتعاد عن الاستخدام السلبى لها، وعدم الاغترار بعالمها الافتراضى وغير الواقعى".
وأوضح أن الإسلام كان حريصًا على غرس مسؤولية الكلمة فى النفوس، ولذلك اهتمَّ النبى صلَّى الله عليه وسلم بتربية أصحابه، والأمة كلِّها على الصدق، لعلمه صلوات ربى وسلامه عليه أنه أساسُ كلِّ خيرٍ، كما أخرج البخارى ومسلم فى صحيحيهما، عن ابن مسعود رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الصدق يهدى إلى البرِّ وإن البرَّ يهدى إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحرَّى الصدق حتى يُكتب عند الله صدِّيقًا، وإنَّ الكذب يَهدى إلى الفجور، وإنَّ الفجور يهدى إلى النار، وإنَّ الرجل ليكذب ويتحرَّى الكذب حتى يُكتب عند الله كذابًا"، وفى ذلك إشارة واضحة إلى أنَّ الإنسان يجب أن يكون حريصًا على كل ما يصدر عنه فى سرِّه ونجواه وفى كلِّ أموره، وأن يُعيد الإنسان النَّظر فى نفسه إذا ما وجد أنه لا يتحرَّى الصدق.
وعن موقف الشرع من استخدام مواقع التواصل الاجتماعى قال فضيلة المفتى: "إننا نرى أنها من الأمور التى لها استعمالان، وكل ما كان ذا استعمالين جاز استخدامه، وتكون مسؤوليته على المستعمِل، ومن المقرَّر شرعًا أنَّ الحرمة إذا لم تتعيَّن حلَّت".
وشدَّد المفتى على ضرورة عدم الانزلاق إلى أمراض وسائل التواصل الاجتماعى، كالاجتراء على الحقِّ والخصوصية وكذلك اجتزاء الحقيقة وتحريفها عن موضعها، مؤكِّدًا أن سياسة الاجتزاء هى سياسة المتطرفين فى التعامل مع النصِّ الشرعى وفى قراءتهم له، وفى قراءتهم للفتاوى والأحداث التاريخية وكل شىء، وهى النظرة المخالفة قطعًا لمسلك النبى الكريم.
ولفت مفتى الجمهورية، النَّظر إلى أنَّ من بين أنواع الأمانات أمانة الكلمة؛ فالكلمة أمانة سواء لفظية أو مكتوبة، ومثلها الإشارة، فمنها الطيب ومنها الخبيث، فالكلمة الطيبة يكسب بها المسلم أجرًا من الله تعالى، إذا كانت صادقة نافعة مفيدة للأمة، وكذلك الكلمة الخبيثة التى تدعو إلى الباطل، وتؤدى إلى الشر والفساد يعاقب عليها المرء، قال تعالى: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ".
وقال المفتى: "يجب ألا نكون أبواقًا لكل ما نسمعه، فعندما نسمع أو نقرأ شيئًا لا بد أن نتحرَّى عنه ونستوثق منه، وندرك مآلاته، فنحن مأمورون شرعًا بالاستيثاق والتأكد من كل ما نسمعه".
وأضاف أن مسؤولية الكلمة مشتركة، والأساس فيها يرجع إلى البيت، لذلك ينبغى على الآباء أن يتحرَّوا الصدق سلوكًا وقولًا أمام أولادهم، لأنَّ التربية بالأفعال والقدوة الحسنة هى الأساس، وكذلك المدرسة عليها دور كبير فى الجانب التربوي، من ناحية غرس خُلق الصدق فى نفوس الطلاب، والتحذير من الكذب ونقل الشائعات، فإذا رأى المعلم أن طالبًا يقوم بنقل الكلام والشائعات، فعليه أن يخبره بخطر ذلك فى الدنيا والآخرة، وكذلك الإعلام يتحمَّل دورًا هامًّا ومحوريًّا فى بناء وتصحيح الوعي، فضلًا عن غيرها من جميع المؤسسات الأخرى.
ووجَّه مفتى الجمهورية نصيحةً إلى الشباب والمتعاملين مع مواقع التواصل الاجتماعى والفضاء الإلكترونى بعدم تناقل الشائعات، أو نشر المعلومات والأخبار، دون التأكُّد منها والتحرِّى عنها ومعرفة مدى أثرها على الناس والمجتمع، وأن يشعروا بمسؤولية ما يكتبونه؛ لأن الله تعالى يقول"مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"، فيكون كلامهم مشروعًا ليس مثيرًا أو خارجًا، ولكن فيه الفكر والعمق والتربية والرُّقِى، ولا يصل إلى حدِّ الإسفاف كما نرى عند كثير من المستخدمين.