بقلم : الدكتور مجدى شحاته
تعود الجذور المشتركة والمتشعبة بين روسيا ودولة اوكرانيا الى القرن التاسع الميلادى حيث الامبراطورية السلافية الاولى ( كييفان روس ) . تاريخ متشابك ومتداخل بل ومعقد ، قرون وعقود وسنوات ، طويلة شهدت العديد ، ما بين مناقشات ومفاوضات وتفاهمات تارة ، وبين خلافات ومناوشات وصراعات دموية مسلحة تارة اخرى بين الامبراطورية الروسية فى ذلك الحين وجارتها اوكرانيا. وذلك نتيجة الجذور التاريخية المتأصلة منذ قرون وعقود، الا ان الصراعات اتخذت شكلا متغاير بين البلدين خاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتى , ويستيقظ العالم صباح الخميس الموافق 24 من فبراير\ شباط على اقتحام القوات الروسية جوا وبرا وبحرا للاراضى الاوكرانية وتصبح الحرب الدامية قدرا مؤلما وأمرا مريرا بين روسيا واوكرانيا واعلانا عن صراع عسكرى بالغ الخطورة يصعب التكهن الى اين يقود هذا الصراع العالم بكامله ؟؟ لست بصدد الدخول فى متاهات اى تحليلات سياسية او تعليقات على ما يدوى على ارض الواقع من معارك حربية وعسكرية ، فى نفس الوقت اود ان اشير بانى اكتب هذه الاسطر بقلم محايد يرقب الاحداث كانسان مثل ملايين البشر ولكن لا يمكن ان اخفى مشاعرى الحزينة المتألمة لسقوط الضحايا الابرياء من المدنيين وايضا من المقاتلين من كل جانب .
اثناء النزاعات المسلحة ، يرفعون شعارات لا صوت فوق طلقات القذائف وتفجير القنابل ودوى صفارات الانذار ، وسط هذا الضجيج والهلع والخوف تكون الضحية الاولى فى الحرب .. أى حرب هى الحقيقى ، اذ يصعب لأى انسان أن يستخلص ما يجرى حوله بدقة ومصداقية . فمن المعروف والبديهى انه فى الازمات الشديدة والاحداث الجسام تتزايد قيمة واهمية الاعلام بكل انواعه المختلفة . مع هذه الاهمية من الضرورى ان ترتفع المعايير لأختبار مدى مهنية وجدية ومصداقية كل وسيلة اعلامية ومدى الصدق والامانة فى نقل الاحداث ، والحيادية وعدم المبالغة والتهويل او التهوين فى تحليل الحدث او التعليق عليه . لقد كشفت البعض من وسائل الاعلام المتنوعة خلال تغطيتها لاحداث وتطورات الحرب الاوكرانية عن وجود تجاوزات وممارسات بل مغالطات أخلت بكثير من المعايير المهنية والاخلاقية . كان ذلك واضحا وجليا مع ابتداء الحرب حيث تضارب واضح وصارخ ليس فى نقل الخبر بل هناك كم هائل من التضليل وعدم المصداقية فى تحليل الحدث والتعليق عليه مع ترديد روايات متضاربة وترديد اراء غير مقبولة او منطقية . كثيرا ما يصبح الاعلام موجه بشكل مطلق ناحية هدف محدد بعينه ، تحت اى نوع من الضغوط او المؤثرات .
ومنذ اندلاع الحرب بين روسيا واوكرانيا ، كل من يتابع البعض من وسائل الاعلام بعنايه وتدقيق تلازما مع الاحداث تباعا ، تتولد لديه قناعات اننا بصدد ازمة اخلاقية وصدمة نفسية حيث التضارب والتخبط عن عمد وترصد فى نقل الحدث او التعليق عليه . فى سياق اخر اظهرت الحرب المستعرة بين روسيا واوكرانيا عن بعض الجوانب العنصرية فى مواقف البعض من وسائل الاعلام المتعددة ، فجاءت رؤيتهم وتعليقاتهم بصورة غيرمهنية لا تعبرعن الاصول والواجبات الاخلاقية للمهنة بل تجاوزت الحدود والتعدى على حقوق الانسان . كثيرا ما نلحظ ان وسيلة الاعلام قد تحولت الى وسيلة فى يد جهات معينة او صناع القرار بغرض اخفاء الحقيقة او شحن الناس نحو امر محدد وتحول الاعلام من وسيلة لنقل حقيقة الحدث وتحليله الى وسيلة لاخفاء الحقيقة وتضليل الرأى العام . ومن خلال متابعة احداث الحرب الروسية الاوكرانية ، بات الاعلام من خلال وسائل التواصل الاجتماعى وسيلة بشعة تلعب دورا قبيحا فى صناعة الخوف والفزع فى نفوس البشر المزعورين اصلا من اهوال الحرب ، حيث يجلس وراء الشاشات الرقمية افراد متخصصون وعلى قدر عال من المهارة فى اصول الفبركة والحذف والتشويه والمبالغة و التضليل ونشر مقاطع خارج السياق ونشر مقاطع فيديو وصورحدثت منذ سنوات وفى اماكن بعيدة تماما عن احداث الحرب الدائرة على الاراضى الاوكرانية وينسبونها للأحداث الحالية . لا شك ان هناك حربا نفسية الكترونية على مستوى عال تحت اشراف ومراقبة واعداد خبراء فى عالم الفبركة والتلفيق الالكترونى فى محاولات جادة ومستميتة فى التاثيرمعنويا ونفسيا على البشر .
لايمكن لنا ان نثق باى شكل من الاشكال فى الاعلام الرقمى ومواقع التواصل الاجتماعى التى باتت تلعب دورا خطيرا فى الحرب الاوكرانية من حيث تضليل وحشد الرأى العام فى اطار تعزيز مواقف معينة .. مع عسكرة اى خبر، وشيطنة الاحداث ، وتسيس الحقائق . فوق كل ذلك ، وما يزيد الطين بلة ، حينما يتم منع و مصادرة وسائل اعلام عالمية من تغطية الاحداث وعدم السماح لمندوبيهم من ممارسة مهام عملهم . كيف يكون الاعلام حرا ونزيها ومتوازنا بمفهومه الحقيقى اذا تم حجب ومنع ومصادرة جانبامن الاعلام دون الاخر ؟ كيف يتسنى للمواطن العادى فى اى مكان من العالم معرفة الحقيقة او على اقل تقدير التعرف على وجه نظر كافة اطراف النزاع ؟ نعم .. الضحية الاولى فى اى حرب هى الحقيقة ، اذ يصعب على الانسان ان يستخلص ما يجرى حوله بدقة ومصداقية وشفافية ، خاصة فى وجود اعلام لا يرغب فى نقل الحقيقة .