محرر الأقباط متحدون
قررت النيابة العامة، إخلاء سبيل والدة فتاتين وزوجها بمنيا القمح بالشرقية، حيث كانت الفتاتان قد اتهمتا والدتهما وزوجها بالتعدي عليهما بالضرب، ثم بعد ذلك أقرَّتا في التحقيقات بالصلح معهما وعدم رغبتهما في استكمال إجراءات القضية، خاصَّة أنَّ المشكو في حقه هو عمهما، ومَن اضطلع بتربيتهما منذ وفاة والدهما، وتزوّج من أمهما.
وكان قد ورد بلاغ إلى النيابة العامة أمسِ الأحد، بشكوى الفتاتين مِن تعدي والدتهما وعمهما عليهما بالضرب، وذلك بالتزامن مع رصد وحدة الرصد والتحليل بإدارة البيان بمكتب النائب العام مقطعًا مصورًا متداولًا بمواقع التواصل الاجتماعي ظهر فيه المجنيّ عليهما تبثان شكايتهما، فتولت النيابة العامة التحقيقات.
إذ سألت المجني عليهما وإحدى شقيقاتهما والمتهميْنِ، فتوصلت من حاصل الأقوال وإقرارات المتهميْن إلى وفاة والد المجنيّ عليهما منذ زمن، وتَزوُّج عمهما من والدتهما، وأنه منذ عام تقريبًا نشبت خلافات أسرية بينهم واحتدمت حتى انتهت بتعدي المتهمينِ ضربًا على الفتاتين، فأحدثا بهما الإصابات الثابتة بالتقارير الطبية المرفقة بالأوراق، مما دفع إحدى الفتاتين إلى تصوير المقطع المتداول وإرساله لأحد الصحفيين، ونُشِر على إثر ذلك بغرض لفت الانتباه لإغاثتهما، فاحتجزت النيابة العامة المتهميْن وكلفت الشرطة بالتحري حول الواقعة، والتي أسفرت عن صحة حدوثها على النحو المذكور.
وأثناء مباشرة النيابة العامة إجراءات التحقيق تقدمت المجني عليهما بطلبٍ لإثبات الصلح مع المتهميْن، فسألتهما النيابة العامة وقررتا تنازلهما عن البلاغ المقدَّم وتصالحهما مع المتهميْن، وأن الخلاف الواقع بينهم هو محض سوء تفاهم، مقرِّتين بأن المشكوَّ في حقه هو مَن اضطلع بتربيتهما منذ الصغر، وأنه لا صحة لادعاءات احتجازهما بالمسكن وقت التعدي، أو أن المذكور ضربهما بأداة، وعلى ذلك أمرت النيابة العامة بإخلاء سبيلهما بضمان محل إقامتهما.
وبمناسبة تلك الواقعة فإن النيابة العامة تؤكد ما سبق وأشارت إليه من سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، سِيَّما في مثل هذه الوقائع التي كثيرًا ما تنتهي بالصلح دون إحالتها للمحاكمة الجنائية، وهو حقٌّ مكفول للمجني عليهم وسلطةٌ مُخوّلة للنيابة العامة في جرائم بعينها بموجب القانون؛ لتسوية كثير من النزاعات لغايات تقصَّدها المشرِّع، منها الحفاظ على الرباط بين الشاكين والمشكوّ في حقهم في كثير من الأحيان.
ومع ذلك فإن النيابة العامة تؤكد عنايتَها بكل ما يُقدّم إليها من شكاوى أو بلاغات، وأنه ليس صحيحًا –بل لا ينبغي أن يُفترض أصلًا- ما يدعيه البعض بسوء قصد من اهتمام النيابة العامة اهتمامًا خاصًّا بما يَذيع وينتشر بمواقع التواصل الاجتماعي دونَ باقي الشكاوى المقدمة إليها بالطريق العاديّ، فالنيابة العامة تحرص ساهرة على النظر في أقضية الناس والاستجابة لكل متظلم ببابها، سواء جاءها بطريق معتاد، أو اتصل علمها بشكواه عبر هذه المنافذ الرَّقْمية المستحدثة، والتي تعي النيابة العامة أنها أصبحت بابًا لا يمكن غضُّ الطرف عنه في ظل موجبات هذا العصر وما فيه من تقدم تقني.
وأخيرًا، فإن النيابة العامة وإن كانت تنهي الدعوى الجنائية في مثل هذه الواقعة إعمالًا لنصوص القانون التي أجازت لها إنهاءَها صُلحًا، فإنها تشير كذلك إلى ضرورة وجود لغة للحوار الهادئ البنَّاء بين أولياء الأمور ومَن استرعاهم الله عليهم على اختلاف أعمارهم وثقافاتهم، وأنَّ التعدي بالضرب لن يكون أبدًا سبيلًا سويًّا للتربية أو الإصلاح أو إنهاء الخلافات، أو حتى التعبير عن الحرص والخوف.