سحر الجعارة
«يحيا العدل»، هذا الهتاف تردده الآن «هى» التى هتفت من قبل: «يسقط حكم المرشد».. وكل «هى» تتابع أخبار الوباء وشبح الحرب وارتفاع الأسعار العالمى، بينما تحصى مكاسبها خلال فترة وجيزة من عمر ثورة 30 يونيو.
كم من الشهداء سقطوا فداءً للوطن ليأتى يوم تجليس جميع القاضيات على منصة القضاء مع زملائهن من القضاة، بحيث تحضر ضمن تشكيل المحكمـة كمفوض دولة على مستوى الجمهورية؟.. كم طفلاً تيتم وزوجة ترملت وأماً ثكلى لتخلع المرأة برقع «العورة» عن وجهها وتتجمل بسمت العدالة.. بالدستور والقانون؟.
أنا أعتبر هذا الإنجاز تتويجاً لكل ما حققه نظام 30 يونيو للمرأة المصرية، أعتبر هذا المشهد الجليل عنواناً رئيسياً للاحتفال باليوم العالمى للمرأة ويوم المرأة المصرية وعيد الأم.
بعض النساء اقتنعن للأسف بأنهن «عورة»، وأن أحكام الرجال مُنزّلة من السماء.. ورغم أنها الآن «وزيرة ومحافظة وقاضية» ولكن تظل شهادتها منقوصة «نصف شهادة» وكأنها فاقدة الأهلية!.
«إنها لا تصلح للولاية».. هذه الجملة التى كان يرددها المشايخ كانت كفيلة بإبعادها عن مراكز «القيادة العليا» ومنها القضاء.. فمع صدور دستور الإخوان فى ليلة مظلمة من تاريخ مصر عام 2012، تم إسدال الستار على وجود المرأة فى مراكز صنع القرار.. واستحدث دستورهم نصاً للإطاحة بالمستشارة «تهانى الجبالى»، رحمها الله، من منصب نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، واخترع حزب «النور» وضع «وردة» بدلاً من صور المرشحات على قوائم الحزب لأنها «عورة»!.
حتى جاء الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، فى عام المرأة 2017، خلال احتفالنا بذكرى ثورة 30 يونيو 2017، ووجه ضربة موجعة لأنصار الخطاب السلفى الذى يقوض حركة المرأة، فكان قراره بتعيين المستشارة «رشيدة فتح الله»، عضو المجلس الأعلى لهيئة النيابة الإدارية، رئيساً للهيئة.
لقد اتخذ الرئيس قراره دون صدام مع تيارات دينية متطرفة، مستنداً -ربما- لرأى الدكتور «على جمعة»، مفتى مصر السابق، فى تفسيره لحديث الرسول، صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولّوا أمورهم امرأة)، الذى ظل سيفاً مصلتاً على رقابنا، حتى قال «جمعة» إن الرسول كان يقصد بقوله «الروم» وليس عموم الناس.
كان لا بد أن تدرك المرأة أن «الحرية» ليست منحة ولا هبة، إنها حق لا بد أن ينتزع بجدارتها واستحقاقها.. ويبقى السؤال: هل يمكن أن تتغير «الثقافة السائدة» بقرار سيادى من قمة هرم السلطة؟!.. فى رأيى نعم، لقد اعتاد الرجل الشرقى عموماً أن المرأة «تابع» له، وأن حريتها لن تتحقق إلا عندما يقرر أن يفك أغلالها.. وأنها «ملكية خاصة»: يمنحها عصمتها فى يدها أو يسحب منها «حضانة الأطفال»، يهجرها فى الفراش أو يحكم عليها بـ«النشوز».. يتحرش بها أو يقتلها دفاعاً عن الشرف!.
إنها «مفعول به» فى كل الأحوال، فالجنة تحت أقدامها إذا ما رضى عنها «مولانا»، أو هى أكثر أهل النار إذا غضب عنها «صاحب العمامة».. إنه يتحكم فى مصيرها «دنيا وآخرة».. فإن لم تر المرأة هذا «النموذج» وتتحلى بطموح جارف للوصول إليه فهذا يهدر بعضاً من الصورة.. صحيح أن تعيين القاضيات هو تحقيق للمادة 11 من الدستور.. ولكن إن لم يغير هذا فى «الوعى المجتمعى».. وأيضاً وعى المرأة بذاتها وقدراتها فليس لها أن تنوح وتولول.
لقد نالت العديد من حقوقها القانونية والدستورية، فأصبحت تحت مظلة قانونية تحميها من الختان والتحرش وزواج القاصرات، هذا بالإضافة إلى جزء الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. وهذا يحتاج إلى وقت أكبر.. سأعود لأسأل: هل سيكون المجتمع مؤهلاً فكرياً لمناقشة قانون أحوال شخصية جديد؟.. أتمنى.
نقلا عن الوطن