( بقلم : أشرف ونيس )
فقدت المعانى فحواها و بات تناثر روحها على صخرة الجهل هو المآل و المصير التعس لها منذ أن امتزجت ببعضها و لم تجد من يضع كلا منها فى مقامه الصحيح .  فما أكثر تعثر البشر فى درك الخطأ حين تعثر كل منهم فى درب الفهم و سبيل الإدراك بين الكلمات و بعضها .

هما كلمتان ؛ قد حوى كل منهما من التناقض و التباين اكثر مما احتوياه من التماثل ، بل ليس تشابه بينهما سوى بين طيات تلك المادة الرخوة التى تقبع برأس كل منا - المخ - و ما يحويه من مراكز للذاكرة و الفهم الذى تشكلت و تحددت معالم وعيها عند الكثيرين و الكثيرات من التنشئات الاجتماعية المختلفة بمجتمعات طال منها الكثير من الرعونة فى التعليم و الاكثر إسهابا و افاضة و إطنابا فى الجهل .

المدح و التشجيع ؛ و من امتلك احاطة و إلماما بكم النفوس التى شقت جدوبة التعالى بستان براءتها ، مثلما اخترقت قحولة العجب بالذات روضة نقائها و جنة شفافيتها ، حين بدا لهم بأن هاتين الكلمتين هما وجهان لعملة واحدة بل اعتبرهما البعض بأنهما وجه و جهة تحمل بعض مترادفات ترجع فى أصلها الى معنى لكلمة بمفردها دون أخرى .

لكن شتان بينهما ، و إن كنا لا نعى الفرق بين كل منهما ، أضحى الجهل حليفا لنا فى فهم النفوس و ما تسعى اليه حين تطلعها إلى قاع المدح ، كما أمسى للبلاهة و الحماقة باعها الطويل بين دوائر معرفتنا فيما تحتاجه  القلوب و تتعطش له من إسناد و دعم و تشجيع .

هما نبتتان فى أرض الحاجات الإنسانية ؛ احداهما يتمدد نموا فى قاع تربة الغرو و التعالى و الاختيال ، بينما الاخرى تزدهر أمام خلفية التفانى و الإخلاص و الوصول إلى الحد الأكمل من الانجاز .

المدح هو هدف بل الهدف الأوحد الذى ينظر اليه الشخص كغاية يروى بها ظمأ روحه العطشى و نفسه الجافة التى تنتظر قطرات الاعجاب من بشر متقلبين ، بينما التشجيع هو الوسيلة التى يتكئ عليها المرء كأحد السبل التى يصل بها الى مراده السامى الذى يسعى لاجله .

المدح هو درب بدؤه استعطاء و سبيله انتشاء و آخره فراغ و عطب و خواء ، بينما التشجيع هو سمة تتحلى بها النفس النقية فتمنحها لمن يستحقها فتتكشف الإنسانية فى كل جلاء و استعلان و وضوح و بيان .

المدح هو شجرة بلا ثمر إحدى فروعها هو التملق و المنفعة الشخصية و المحبة  الاخذة بكل ماهو براق و جذاب ، أما التشجيع فهو ثمرة ناضجة كانت و ستظل بذارها الحب بلا مقابل و العطاء بلا أخذ .

 المدح نفق أخره صراع مع الذات و الاخرين ممن كفوا عن ولائهم متطلعين الى آخر ، لكن التشجيع هو الايثار المنبثق من صفاء القلوب الممتد عبر الزمن و المتسامى فوق المواربة أو الانتهاء .

فهل لنا أن نقيس كل ما يتنامى فى عقول و أفئدة البشر بمقياس المنطق و الموضوعية المتجردة عن الاهواء الميول و الذاتية ، أم أن التقوقع حول السطوع سيكون هو المآل لشخوصنا ، مسايرين و مسارين خلف القطيع دون فطنة مريدة و إرادة فطنة ، تلك الارادة المعبرة عن قمة الخليقة - الإنسان - متى رفض أو قبل ،  متى قال نعم أو لا ، مضحيا بكل ما هو بخس و زهيد فى سبيل أغلى ما فى كونه و محيطه ، وجوده و ذاته .......  إنسانيته .