ماجد سوس
في عام ٢٠٠٦ كنت أعمل أستاذا في معهد للغات في ولاية هاواي، سألني مدير المعهد يوماً لماذا يكره المصريون الأمريكيين، تعجبت من سؤاله وقلت له لماذا تقول هذا، اجابني بأنه ذهب إلى رحلة سياحية لمصر وهناك قال له أحد المرشدين السياحين المصريين أنه من الأفضل ألا يخبر أحد أنه من الولايات المتحدة فغالبية المصريين لا يحبونها. قال لي ضاحكا، أنه حينما سئل مرة هل انت أمريكي فقال لا أنا من هاواي! ولأن السائل لم يكن يعلم ان هاواي ولاية أمريكية فقال له الحمدلله تصورت أنك أمريكياً.
قلت له، أنك إذا ذهبت إلى مقر السفارة الأمريكية بالقاهرة ستجد المصريين يقفون طوابير طويلة بالساعات لمحاولة الحصول على تأشيرة الدخول للولايات المتحدة وإن الملايين من الشعب المصري يقدمون على برنامج الهجرة العشوائية للحصول على حق الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة الأمريكية.
في الحقيقة هذه الظاهرة التي أسميتها "أميركوفوبيا" تحتاج إلى دراسة وبحث اجتماعي سياسي، فقد هالني، في الأيام الأخيرة، الترحيب والتأييد الذي وجدته في تعليقات الكثير من المصريين بالغزو الروسي الغاشم على أوكرانيا، والذي راح معه المؤيد، مهاجماً الولايات المتحدة متهماً إياها انها وراء هذه الحرب وما يفعله بوتين في شعب أوكرانيا الأعزل الذي كان يعيش معه يوماً تحت راية علم واحد. وهناك من يضع مقارنة غريبة، لا قياس فيها، بين زيلنسكسي الذي أراد أن ينضم للاتحاد الأوربي وصدام حسين الذي احتل دولة الكويت، صاحب أكبر عدد من المقابر الجماعية لشعبه.
لمن لا يعلم من الشعب العربي، ولمن يكره الولايات المتحدة لكونها الداعمة لإسرائيل فإن الاتحاد السوفيتي أيضاً يدعم إسرائيل بقوة، بل تاريخيا قد اعترف بدولة إسرائيل قبل اعتراف الولايات المتحدة بها. وفي الحرب الأوكرانية الحالية وقفت إسرائيل موقفاً محايداً حيث عيش عدد كبير من اليهود على الأراضي الروسية، ويكون معه كره أمريكا أو حب روسيا ليس له شأن بالقضية الفلسطينية.
في البداية علينا أن نتفق بأن الولايات المتحدة تحمي مصالحها في العالم وهو أمر بديهي تسير على نهجه كل دول العالم منذ بداية الخليقة حتى اليوم فأين الدولة التي لا تعمل لمصلحة شعبها ووطنها. لذا أدعوك عزيزي القارئ أن تلقي نظرة تاريخية متأنية مترفعة بعيدة عن الاختلاف الإيديولوجي وصراع الحضارات عن جزء قليل مما قدمته وتقدمه الولايات المتحدة سواء على الصعيد المصري أم الصعيد الدولي.
على الصعيد المصري فمع بداية فترة السبعينيات بدأ الرئيس السادات يشعر أن الروس يتباطؤون في مساعدته بإرسال أسلحة وعتاد قد طلبها منهم، ثم وصلته معلومات أن الروس يقومون بالاستيلاء على الذهب المصري وبجرأة قام باحتجاز 71 خبيرا مع أفراد عائلاتهم في مطار القاهرة في 8 مايو 1972، وتفتيشهم قبيل عودتهم إلى روسيا للبحث عن الذهب. وفى الثامن من يوليو 1972، استدعى السادات سفير الاتحاد السوفيتي بالقاهرة وأفهمه أن الخبراء الروس، البالغ عددهم عشرين ألف خبير مطالبون بمغادرة مصر بكامل عتادهم وأمتعتهم في غضون 48 ساعة.
وفي حرب ٧٣ وبعد العبور العظيم بأيام قليلة، حدثت ثغرة الدفسوار وكان سيضيع معها حلم الانتصار وتم حصار الجيش الثالث وكان من الصعب، كما قال الرئيس السادات، محاربة الولايات المتحدة ولولا تدخل داهية الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا لانقلبت موازين الحرب، لكنه توصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.
استطاعت الولايات المتحدة أن تعيد لمصر كل شبر في أرضها المحتلة في معاهدة "كامب ديفيد" للسلام توسطت فيها بين الدولتين نتج عنها حقن دماء الطرفين واستغلال مصر لمدنها السياحية في منطقة سيناء، والتي تدر لها ملايين الدولارات بجانب معونات أمريكية اقتصادية وعسكرية ٢.١ مليار دولار لم تتوقف طيلة ٤٤ عاماً.
على الصعيد الدولي فإن الولايات المتحدة لم تستعمر أو تحتل الدول الأخرى كما فعلت إنجلترا، وفرنسا، وألمانيا، وغيرها. فبعد أن حررت العالم من النازية عادت وساعدت ألمانيا في بنائها. وحين قامت اليابان في ٧ ديسمبر ١٩٤١بضرب الولايات المتحدة في عقر دارها في منطقة بيرل هاربر ودمرت القاعدة الأمريكية هناك وقتلت آلاف المدنيين والعسكريين الذين لم يكونوا في ساحة حرب بطريقة مفاجئة بشعة واشتد الخلاف بين الدولتين، ألقت معه وبكل أسف الولايات المتحدة قنبلتها الذرية على هيروشيما ونجازاكي، وبالرغم أن اليايان هي من بدأت بالاعتداء، إلا أن الولايات المتحدة استشعرت بندم شديدة فقررت الوقوف مع الشعب الياباني لذا عينت الجنرال دوجلاس ماك ارثر الذي ساهم في إعادة بناء اليابان اقتصاديا وسياسيا وتحويلها إلى دولة ديمقراطية. وهكذا فعلت الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية وأعادت بناءها. كما إننا لا يمكننا أن ننسى ما فعلته مع فرنسا حين حررت باريس في أغسطس ١٩٤٤ وأرسلت لها الفرقة الأمريكية الرابعة مشاة.
وفي أيامنا هذه كنا شهوداً على استجابتها لإنقاذ العديد من الدول وفي استجابتها لهم لم تلتفت لا للون، أو لجنس، أو لدين، او لاختلاف ثقافات، فحررت الكويت المسلمة دون أن تستعمرها أو تغزوها وحين غزى الصرب المسيحي البوسنة والهرسك المسلمة، حاربت الصرب وحررت البوسنة دون أن ترسل الدول الإسلامية والعربية جندياً واحداً.
وحتى دخولها للعراق أو أفغانستان بما فيه من أخطاء عسكرية فقد كان دخولا مؤقتاً ولغرض محدد لإنقاذ هذه الشعوب من حكام ومراكز قوى طاغية، وحتى من يدعي أن الديموقراط هم من أسقطوا مبارك أو من ساعدوا الإخوان في الوصول للحكم فقد احترموا إرادة الشعب المصري ولم توقف أية مساعدات لمصر ولم يمنع مصري من دخول أمريكا ولم ترفض أية صفقة أسلحة لمصر ولم تتخلى عن قيادته وفي أكتوبر ٢٠٢١ أهدت مصر ٨ مليون لقاح فايزر وموديرنا لمصر، بل أكثر من ذلك فقد أعطت مصر التكنولوجيا المتطور لبناء مصنع لقاحات للقاحات فايزر وموديرنا لخدمة أفريقيا.
هل تعلم يا عزيزي، إنه عندما يحدث زلزالٌ أو كارثةٌ أو وباءٌ في أي مكان في العالم تسرع الولايات المتحدة بالمساعدة الضخمة، حتى لو حدثت الكارثة لدولة معادية لها، فبينما كانت الحكومة الإيرانية تهاجم أمريكا نهارا وليلا كانت الولايات المتحدة ترسل لها المعونات كلما حدث لها زلزالا. وهل تعلم أن أكثر من ٦٠ بالمئة من معونات الغذاء الدولية هي هبة من الولايات المتحدة. وهل تعلم أن الكونجرس قام بتخصيص عشرات المليارات من الدولارات للقضاء على الإيدز وكثير من الأمراض الخطيرة في أفريقيا، وفي جائحة كورونا الأخيرة أرسلت لقاحات مجاناً لأكثر من ٦٤ دولة.
وهل تعلم أن الولايات المتحدة من أسست غالبية المنظمات الدولية وإن كل برامج المساعدات الإنسانية والطبية ومساعدة الفقراء في الأمم المتحدة ومنظمات الصحة وغيرها تقوم أمريكا بتمويلها بالنصيب الكبر وأن معظم الأبحاث العلمية والطبية التي أنقذت البشرية من معظم الأمراض بتمويل من الولايات المتحدة.
عزيزي الولايات المتحدة هي تلك القوى الخيرة التي يعيش فيها البشر من كل الأمم والشعوب والقبائل والألسن بكل اختلافاتهم، سواسية بسلام. الدولة التي يتبوأ فيها الملحد واليهودي والمسيحي والمسلم واللاديني كافة المناصب وأرفعها دون عنصرية او تمييز فلا توجد خانة للديانة أو حتى خانة للوظيفة في أي مستند أو هوية، الكل سواء بسواء، فالقاضي والطبيب والمحامي واستاذة الجامعة مثله مثل العامل والفلاح والمشرد أمام القانون والقضاء والشرطة.