محرر الأقباط متحدون
قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: "إن التصور العام للأديان الإلهية للعمل المجتمعي الخيري أن يتراحم أبناء المجتمع الواحد وأن يتعاونوا جميعًا على البر والتقوى من أجل حماية المجتمع، ومن أجل المحافظة على جميع أبنائه ودعم المحتاج منهم، فرُبَّ ضعيفٍ في الظاهر قويٌّ عند الله تعالى في عالم الغيب، وربَّ قويٍ في عالم الشهادة ضعيفٌ عند الله تعالى في عالم الغيب".
وأضاف أن اهتمام الأديان بأبنائنا وبناتنا من الأبطال ذوي الهمم العالية، ليدلُّ على ضرورة أن تسود مجتمعَنا المصريَّ قيمُ الرحمة والتعاون والتكافل، وأن الرحمة صفة أصيلة من صفات المجتمعات الحضارية الراقية المتقدمة، فالدولة الحضارية هي التي تجمع في معادلتها بين الحُسنين؛ العملِ على تحقيق الكفاية وزيادة الإنتاج مع المحافظة على قيمة الرحمة ومحاسن الأخلاق، وهذه القيم الأخلاقية هي قيم راسخة في الحضارة المصرية القديمة، وفي الديانتين المسيحية والإسلامية التي ينتمي إليهما الشعب المصري الأصيل.
جاء ذلك في كلمته التي ألقاها خلال حفل افتتاح مشروع "الفلك" لرعاية وتأهيل أبطال متلازمة داون، بدعوة من السيد الأستاذ الدكتور طارق رحمي محافظ الغربية، والأنبا بولا مطران طنطا وتوابعها، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة الفلك الخيرية.
وأضاف المفتي أن مشروع مؤسسة الفُلك الخيرية يأتي للتأكيد على تلك الروح الوطنية العالية التي تسود بلادنا العزيزة مصر، وتؤكد أيضًا أن جميع أبناء الوطن الواحد منصهرون متعاونون مترابطون في خدمة هذا الوطن، وفي حبِّه وفي الدفاع عنه، وفي تقديم كل أنواع الدعم والخدمة والرعاية لجميع فئاته دون النظر إلى أيِّ اعتبار آخر غير حب الوطن والانتماء إليه.
وأضاف أنه لا شك أن رمزية الفُلك التي اتُّخذت لهذا المشروع العظيم اسمًا وشكلًا ومضمونًا هي رمزية دينية إلهية لسفينة النجاة أو لفُلك النجاة الذي أوحى الله بصنعه لسيدنا نوح عليه السلام في قوله تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}، موضِّحًا أنَّ رمزية الفلك تشير، بل تؤكِّد أنَّ الوطن إنما هو سفينة النجاة لنا جميعًا، وأنَّ الوطن بجميع أبنائه وبتعاونهم وتكافلهم يحيا ويقوى ويتقدَّم ويعلو ويستمر.
وقال : "وهذه الروح الوطنية ليست بجديدة على الكنيسة المصرية العزيزة إلى قلوبنا جميعًا، فالكنيسة المصرية يحفل تاريخها العريق بالكثير من المواقف الوطنية الكريمة الشجاعة التي تؤكد أنَّنا جميعًا نقف صفًّا واحدًا ثابتًا جنودًا أوفياء مخلصين في خدمة وطننا العزيز مصر".
ولفت النظر إلى أنَّ رمزية السفينة أو الفلك قد وردت كتعبير عن المجتمع الواحد المترابط المتماسك الذي ينجو بفعل الخير وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حديث شريف يُسمى حديثَ السفينة، وهو حديثٌ من روائع السنة النبوية المطهرة، وقد رواه الإمام البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَثَلُ القائمِ على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضُهم أعلاها وبعضُهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرُّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ مَن فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا"... فالحديث الشريف يعلِّمنا أنَّ الوطن بجميع مَن فيه عبارة عن سفينة واحدة، وهذه السفينة تصل إلى غايتها ومبتغاها سالمة غانمة بفضل تعاون أبنائها على البر والخير وصنع المعروف، وتنجو أيضًا بمحاربة أوجه الخلل والفساد والقصور التي قد تكون عند بعضهم، وعلى الأخذ بقوة القانون على أيدي السفهاء والمفسدين الذين قد تؤدي أفكارهم الفاسدة إلى إغراق السفينة وإلى عدم وصولها إلى بَرِّ السلامة والأمان.
وأكَّد المفتي مشروع الفُلكِ لرعاية وتأهيل أبطال متلازمة داون، هو عمل خيري وطني جليل، يأتي متناغمًا ومتواكبًا مع سلسلة الأعمال والمبادرات الوطنية التي أطلقها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ مثل برنامج تكافل وكرامة وبرنامج حياة كريمة وغيرهما من البرامج الوطنية المهمة، التي تعمل على الاهتمام بجميع فئات هذا الوطن، وتعمل على دعمهم وعلى تقويتهم وعلى النهوض بهم، وتعتبرُ أن جميع عناصر الوطن وأبنائه مهما تباينت أحوالهم لا بدَّ أن ينعموا بالدرجة الفائقة من الرعاية والاهتمام، الذي يعزِّز حبَّهم وانتماءهم لهذا الوطن.
ولفت النظر إلى أنَّ هذه الفلسفة تقوم على أمرين؛ الأول: رعاية مَن قعدت بهم سبل الحياة عن العمل والإنتاج، ولم تسعفهم ظروفهم على المشاركة في المسيرة الإنتاجية، وصدق نبيُّنا الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال فيما روي عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: "ابغوني ضعفاءكم فَإِنَّمَا ترزقون وتنصرون بضعفائكم". ورُوي عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبَ، قَالَ: قَالَ دَاوُدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْ رَبِّ، أَيْنَ أَلْقَاكَ؟ قَالَ: تَلْقَانِي عِنْدَ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُمْ.
والأمر الثاني: تحويل الفئات المؤهلة للعمل والإنتاج من دائرة العوَز والفقر إلى دائرة العمل والإنتاج، ومن ثم العطاء؛ عملًا بالمبدأ النبوي الكريم: "اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول".