سحر الجعارة
حين أصدر الدكتور على جمعة، مفتى مصر السابق، فتواه المنصفة، التى تقضى بأنه: (يجوز شرعاً لكافل الطفل اليتيم أو مجهول النسب أن يضيف لقب عائلة ذلك الكافل سواء أكان رجلاً أو امرأة إلى اسم الطفل أو تغيير الاسم الأخير من اسمه إلى اسم تلك العائلة، بحيث يظهر مطلق الانتماء إليها دون الإخلال أو التدليس بأنه ابنه أو ابنته من صلبه حتى لا يدخل فى نطاق التبنى المحرم شرعاً)..
وأضاف «جمعة»: بل إن تلك الإضافة ستكون مثل «علقة الولاء» التى كانت بين القبائل العربية القديمة، والولاء جائز شرعاً ويحقق مصلحة الطفل.. حينها أثارت الفتوى جدلاً واسعاً واستهجاناً -عام 2004- ثم جاء الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، وأفتى بأنه: (الجائز منح الطفل المكفول لقبَ عائلةِ كافلِه؛ بحيث يَظهَرُ مُطلَقُ الانتماءِ إلى العائلة، دون التدليس بأنه ابنه أو ابنته من صلبه؛ حتى لا يدخل ذلك فى نطاق التبنى الْمُحَرَّم شَرْعاً).
وحتى نعرف حجم المأساة التى يعيشها الطفل «مجهول النسب» انظر إلى آلاف القضايا التى يتهرب فيها «الأب المفترض» من إجراء تحليل الـDNA، اذهب إلى محكمة الأسرة وتأمل فى طريقك «أطفال الشوارع» والمتسولين، اذهب إلى دور رعاية الأيتام، أو اقرأ صفحة الحوادث وفتش عن «زنا المحارم».. هذه كارثة إنسانية بكل المعايير، وقنبلة على وشك أن تنفجر فى وجوهنا جميعاً.
فإذا تيسر لأسرة محترمة، وفقاً لشروط وزارة التضامن، أن تنتشل طفلاً من عصابات التسول أو المبيت تحت الكوبرى أو أن ينشأ فى «مؤسسة أيتام».. وأفترض أنها أسرة حرمها الله من الأطفال، أو أنها تريد أخاً لأولادها.. هل يقف «تدينك الشكلى» عائقاً أمام نجدة طفل من الضياع؟.. هل يمكن أن تتخيل «طفل سفاح» ينسب إلى جده ويصبح أخاً لأمه بما يؤدى إلى اختلاط الأنساب لأن «ضميرك» لا يطمئن لفتاوى مفتٍ تلو مفتٍ.. وأنت «الوصى على الدين»؟.. إذاً ضع لضميرك مخدراً واقرأ القليل عن القانون رقم 126 لسنة 2008، الذى يكفل لحالات الأطفال السفاح حياة قانونية سليمة.
بحسب السفيرة مشيرة خطاب، رئيسة المجلس القومى لحقوق الإنسان، فبعد مجىء الإخوان إلى الحكم حاولت القيادية الإخوانية عزة الجرف، وأخواتها، إلغاء هذا القانون، لولا تصدى الجمعيات الأهلية لهن.
القانون بشكل عام ينص على أنه من حق الطفل معرفة وحمل اسم والده الشرعى.. كما أن الطفل المولود خارج إطار الزوجية، معلوم الأم ومجهول الأب، سيتم تسجيله عند الولادة عن طريق أمه. فى الفصل الثانى الخاص بقيد المواليد، تنص المادة (22) على أنه: استثناء من حكم المادة السابقة (وهى خاصة بإقرار أبوة أو أمومة الطفل)، فإنه لا يجوز لأمين السجل ذكر اسم الوالد أو الوالدة أو كليهما معاً، وإن طُلب منه ذلك، فى الحالات الآتية: 1- إذا كان الوالدان من المحارم فلا يذكر اسميهما.. 2- إذا كانت الوالدة متزوجة وكان المولود من غير زوجها فلا يذكر اسمها.. 3- بالنسبة إلى غير المسلمين، إذا كان الوالد متزوجاً وكان المولود من غير زوجته الشرعية، فلا يذكر اسمه إلا إذا كانت الولادة قبل الزواج أو بعد فسخه، وذلك عدا الأشخاص الذين يعتنقون ديناً يجيز تعدد الزوجات.
ضع الفتوى بجوار القانون لتفهم لماذا وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكومة، وجهات التشريع، بتغليظ عقوبة عدم تسجيل المواليد.. وكذلك تعديل قانون الخدمة المدنية لمنح الأم الكافلة إجازة رعاية لمدة أربعة أشهر، مدفوعة الأجر وذلك حال قيامها بكفالة طفل أقل من ٦ أشهر.. «الأم» التى ترعى وتحتضن وتسهر الليالى ليصبح الطفل «رجلاً أو امرأة» تستحق إجازة لتضم وليداً لم تلده بل جاءها منحة من الله عز وجل.
نقلا عن الوطن