الأب رفيق جريش
شهر رمضان في مصر له طابع خاص، تتجلى فيه الوحدة الوطنية بأوضح وأجمل وأروع صورها.. فالمتعمق الجيد لواقع المجتمع المصرى يكتشف بسهولة أنه بقدر ما ينتظر المسلمون شهر رمضان، بكل روحانياته وجمالياته وخيراته، فإن المسيحيين بالمثل ينتظرون قدومه للمشاركة في تقاليده وعاداته الاجتماعية المحببة والمألوفة، كتبادل الزيارات، وإحياء السهرات، وتذوق المأكولات والمشروبات، وتناول ما لذ وطاب من الحلويات الشهيرة والمميزة والمرتبطة بشكل خاص بهذا الشهر، هذا العام يتفق صوم رمضان مع صوم المسيحيين، إضافة إلى تعبيرهم عن بهجتهم وسرورهم بالحالة الرمضانية التي تكتسى بها الشوارع والميادين والساحات، حيث التواجد البشرى المتواصل حتى مطلع الفجر، مما يعطى شعورًا هائلًا بالأمن والأمان.
يختلف الشعب المصرى في الفكر والعقائد والأديان وأيضا في الثقافات، لكن هذا الاختلاف لا يقف عائقا أمام مشاعر الفرح والسرور عندما يأتى شهر رمضان الجميل بكل مظاهره المبهجة التي يستقبلها الجميع دون استثناء، خصوصا في الأحياء الشعبية الجميلة التي نشعر في حاراتها بكل معانى الحب والإخاء والوفاء الفطرى النقى.
ولا شك أن رمضان بالنسبة لى جو روحانى يعيشه كل المصريين، لا فرق بين مسلم ومسيحى، لأن المسلم صائم والمسيحى أيضا صائم ويحترم صيام رمضان، فلا يأكل أمام المسلم، وبالتالى فهو صائم ولو جزءًا من الوقت أو أغلب الوقت. وتتجلى في ذلك الوقت أبرع معانى المحبة والمشاركة الفعّالة بين المسلمين والمسيحيين. شهر رمضان ليس شهرا للصيام فقط، وإنما شهر تتقرب فيه جميع العائلات المصرية، مُسلموها ومسيحيوها على السواء، فيكونون كالجسد الواحد الذي يصعب تمزيقه، نجد المسلم يفطر في منزل المسيحى والعكس صحيح.
في مصر من المستحيل أن تجد في هذا الشهر الكريم فقيرًا جائعًا، فموائد الرحمن التي يُقِيمها القادرون تنتشر في كل مكان، ولا تترك مدينة أو قرية أو حارة، ويجلس عليها الفقير والمسافر والذى لم تُسعفه العودة إلى البيت، فيجد عليها الطعام والصحبة والأهل. وأبرز ما يُعرف به رمضان هذا الشهر الكريم في مصر، هو: السهر حتى ساعات الفجر الأولى، فتمتد السهرات والجلسات بين الأصدقاء والمعارف، وتبادل الزيارات.
كان النقاء والصفاء هما سمة الإنسان الطبيعية فكانت الفرحة تعم الجميع، والحب يجمع الكل، والكلمة الطيبة كانت تزين اللسان. فكم نحتاج لهذه الجرعة السنوية من المحبة.
والآن يتسابق الإعلام في هذا الشهر لعرض منتجاته من أفلام ومسلسلات وفوازير وغيرها من البرامج، وذلك عن طريق الإعلانات المشوقة. وانتشرت هذه الكلمات: «انتظرونا في رمضان» «كله حصرى على التليفزيون»، «قريبا في رمضان»، «العرض الأول»، وخطفت الناس هذه الإعلانات من قناة إلى قناة، والسؤال: هل استعد الإعلام جيدا لهذا الشهر في أن يكون إيجابيا في نشر لغة التسامح والمحبة، وألا ينجرف وراء الأخبار والشائعات الكاذبة؟. هل للإعلام دور بارز في رأب الفتن ونشر لغة المحبة والتسامح؟.
شهر رمضان، بروحانياته، يجعلنا نطلب من الله المغفرة لو أخطأنا في أخ لنا أو في بعض أحداث فتنة جرت من وقت لآخر، فهى فرصة للجميع للتوبة. ولا ننسى رجال الدين وممثلى المؤسسات الدينية والقادة، فهم فرسان هذا الشهر، يقع عليهم عبء كبير لحث الناس على المحبة وفعل الخير وتصحيح الأفكار المغلوطة التي تهاجم الشباب، ليس فقط في شهر رمضان، لكن لابد أن تكون المحبة والتسامح ميزة من مميزات البشرية، فهم مؤثرون في المجتمع.
ومع بداية شهر رمضان وصوم المسيحيين أقول لكل المصريين: كل عام وأنتم بخير، وأدعو الله أن يرعانا ويُنعم علينا ببركاته، وأن نكون سفراء لهذا الوطن لنشر روح المحبة والتسامح.
نقلا عن المصرى اليوم