بقلم باسل قس نصر الله
لم يخطر لي مطلقاً أن تناديني سيدة بفضيلة الشيخ.
كانت أجواء رمضان تُضيف البهجة على اجتماع عائلي، ومع أنني مسيحي وأقربائي مسيحيين، إلا أن أجواء شهر رمضان الفضيل لها خصوصيتها في مجتمعي الصغير وضمن مدينتي الرائعة "حلب" في سورية.
بالكاد سمعتُ صوت رنين هاتفي الخليوي، ومن رقمٍ عرفتُ أنه لإحدى الدول المغاربية، وجاءني صوت أنثوي يقول بلهجة مغاربية "لَسْلامُ عليكم"، فأجبتها كما عادتي "وعليكم السلام".
فَتابعتْ صاحبة الصوت بلهجةِ السؤال "فضيلة الشيخ باسل؟ … من سورية؟"
صُعقتُ ... فأنا لم يناديني أحدٌ بهذا اللقب، فقلت لها وأنا لا أريدُ الإطالة عليها بالشرح، بأنني غير مُسلم بالرغم من كوني مستشاراً لمفتي سورية: "نعم".
قالت لي "الحمد لله مولانا أني حَصَلت على رقم هاتفك من الأنترنيت، أنا من الجزائر وعندي سؤال فقهي".
إرتبكتُ قليلاً، أما هي فقد تابعت عرض السؤال، وفهمتُ من سيرِ الحديث أنها ستطيل، فقلت لها "أختي الكريمة ، أنا سأرسل لك برسالة نصية فيها عنوان بريدي الإلكتروني الخاص، وتستطيعين أن تكتبي على هذا العنوان، برويّة وتعرضي مُشكلتكِ بكل أبعادها، وأنا سأقرأ ذلك وأرسل لك الإجابة، منعاً للتكلفة التي ستتكبدينها من خلال الاتصال، إضافة الى أن الفتوى على قدر النص، فاكتبي برويةٍ وهدوء، وستتم الإجابة بإذن الله".
في صباح اليوم التالي وصلتني الرسالة المعنية وقد بدأت الرسالة "السلام عليكٌم الدكتور والشيخ باسل نصر الله جزاكم الله خيراً وحفظكم الله" وأردَفَتْ أنها تريد أن تستفسر عن سؤالٍ فقهي، وتابعتْ بشكل تفصيلي، تعرض المشكلة التي تطلب رأي الشرع فيها.
وفي آخر رسالتها كتبتْ "فأستفسرُ منكم فضيلة الشيخ عن أمري هذا وشكراً جزيلاً، جزاكم الله خيراً وحفظكم وحماكم لنا فضيلةُ الشيخٌ باسل نصر الله والسلام عليكٌم ورحمة الله وبركاته".
طبعاً قمت بتحويل الرسالة إلى رجال العلم الإسلامي، كما أنني شرحت لهم ما حدث. وبعد أيام تلقيت نص الإجابة، فحوَّلتها إلى السيدة الجزائرية، وأعلمتها أن الاجابة هي من الشيوخ الأجلاء، كما أرفقتُ لها مقالة لي كنت قد نشرتها للتو باسم "مسيحي ينام في المسجد" وهدفي من ذلك أن تعرف بأنني مسيحي.
في أول أيام شهر رمضان الفضيل، ذهبتُ الى جامع الروضة بحلب خلال صلاة التراويح، لأُقدم التهاني إلى الشيخ أحمد حسون مفتي سورية، والإخوة المسلمين، بحلول هذا الشهر، حيث نقول "مباركة طاعتكم"، وهناك كان لفيف من رجال العلم الإسلامي الذين قَدِموا أيضاً للتهنئة، وكان منهم من يعرف بقصة الأخت الجزائرية، فبادروني مبتسمين "السلام عليكم فضيلة الشيخ باسل"، وأصبح الكثير منذ ذلك الوقت يناديني بفضيلة الشيخ باسل.
هذا المسيحي الذي يعلم تماماً أن "هذا الدين علم فاعرفوا من أين تأخذون علمكم". وهو يتابع ويطلب من أصحاب العلم أن يعطوه الإجابة ليحوِّلها الى السيدة الجزائرية التي لم تكن تتوقع أن مستشار مفتي سورية هو إنسان مسيحي.
يأتي رمضان وهذه الذكريات تمرّ بذاكرتي
لماذا الفتوى من "بلاد الشام"؟ ... لأنها الأمن والأمان
لأن هذه هي أخلاق شعب سورية
سورية العظيمة بقلبها
العميقة بحضارتها
المليئة بتاريخها
الكبيرة بمواطنيها جميعاً
كل عام وكُلُّنا لِكلِّنا
كل رمضان ونحن كلُّنا - مسلمين ومسيحيين وباقي الأطياف في مزهرية سورية - بخير و "مباركة طاعتكم"
اللهم اشهد اني بلغت