حمدى عبد العزيز
كنت أشاهد أهلنا في الريف في اواخر الستينيات واوائل السبعينيات يذهبون إلي الحقول مصطحبين الراديو الترانزستور الصغير وكانت تلك الأجهزة غالباً ماتكون محزمة برباط مطاطي يسمح بإلحاق "مشط" بحجري بطاريتين كبيرتين (تورش) بالراديو دعما لأصبعي بطاريته الأصلية لكي يتحمل جهد كهربائي أكبر  ..

كانوا يتابعون النشرات الإخبارية وكانت ام كلثوم هي سلواهم  ، وهي الصوت القادم من اعماق بوحهم حين يغنون في أثناء انحناءات ظهورهم النهارية وعكوف ووجوههم وأيديهم علي وجه الأرض الموحلة لشتل الأرز  ، أو عندما يقضون النهار يوجهون ضربات الفئوس لعزيق زراعة القطن أو في أوقات حصاد القمح  ..

في بداية الثمانينيات تغير الريف المصري وأمسك الفلاحون والعمال الزراعيين وعمال ورش الطوب بأجهزة الكسيت القادمة من دول الخليج مع أبنائهم العائدون من هناك وهي تلعلع بصوت الشيخ محمد عبد الهادي الذي كان يشبه إلي حد كبير صوت أم كلثوم  ، لكنه كان يقدم حكايات درامية شعبية مرتجلة تدور كلها حول عالم المعجزات والخرافات المسطحة وكانت غالبية أجزاء الحكاية تتنوع مابين استخدام الحكي الشفوي والطرب والموسيقي التي كانت تعتمد علي ثلاثة الآت فقط هي الكمان والعود والطبلة مع هيمنة مطلقة لآلة الكمان  ..

الشيخ محمد عبد الهادي لم يكن معتمداً بالإذاعة ، ولكنه كان نجم حفلات الزفاف والطهور لكبار ملاك الأراضي الزراعية وتجار المخدرات الكبار القاطنين مدن الأقاليم الزراعية والعائدون من الخليج إلي الريف بريالاتهم  ، وكبار الحرفيين من أغنياء فترة الإنفتاح  
، وكانت هذه الحفلات تسجل،علي كاسيت، وتتولي توزيعها شركة كاسيت خاصة بالشيخ محمد عبد، الهادي نفسه والذي لاتوجد أية معلومات حول نشأته وبروزه فجأة

..  كان عبد الهادي يمتلك موهبة وقدرة كبيرة علي الطرب وتلاوة القرآن والخطابة والحكي في آن واحد لدرجة أنه قد اصبح ظاهرة اجتاحت مابين فرعي الدلتا ، وامتداداتها الجغرافية الريفية الغربية والشرقية والجنوبية  ، ذلك في الوقت الذي كانت تتوازي معه ظاهرة أخري في مناطق الأطراف الصحراوية الغربية المصرية مطرب شعبي آخر ظهر في حقبة الثمانينيات اسمه خميس النجعاوي ، يغني لاعباً علي أوتار الغرائز الحسية لسكان هذه المناطق ومما يعرف عن هذا المطرب أنه كان لايغني إلا بعد أن تخضع رأسه تماماً لسطوة "التحشيش"  ..

هل أحدثكم أكثر عن فقه صناعة قوي الانحطاط الناعمة في حقبة الثمانينيات  ؟

هذا الوقت هو الذي شهد صناعة الإنقلاب القيمي والأخلاقي الكبير علي نحو اصبح فيه غالب ماتلي من هزات واختلالات وموجات انحطاط قيمي مجرد تبعات لهذا الانقلاب الذي حدث في تلك الحقبة  ..