وسيم السيسي
أنا بيرم التونسى أتحدث إليكم، ولدت فى مصر ١٨٩٣ ورحلت منها للعالم الآخر ١٩٦١، جدى كان تونسيًا ولكنه استقر فى مصر عند عودته من الحج، ذقت من الحياة حلوها ومرها، بعد وفاة الوالدين، اشتريت محل بقالة صغيرا، الإنجليز بالضرائب بهدلونى، كتبت زجلا مطلعه: يا بايع الفجل بالمليم واحدة، واحدة لك وللمجلس البلدى «الإنجليزى» واحدة، أستغفر الله حتى فى صلاتى نصها للمجلس البلدى واحدة... إلخ.
طبع منها مائة ألف نسخة، كسبتُ منها كثيرًا، تركت البقالة، اتجهت للزجل، هاجمت السلطان فؤاد: جابوك الإنجليز وقعدوك/ على العرش تمثل دور الملوك... إلخ. نفانى الإنجليز! لولاك يا لسانى ما اتسكيت يا أفايا «قفايا»، ابتهدلت فى الغربة، من مصر، لتونس، لباريز!.
قلت: فى مصر قالوا: تونسى ونفونى
وفى تونس فيها الأهل وجحدونى
وفى باريس آخر بهدلة وذلونى.
أخيرًا عدت إلى مصر متسللًا من باخرة فى الإسكندرية، تقابلت مع سيد درويش، وكتبت له كلمات الأغنية التى غنتها مصر كلها: أنا المصرى كريم العنصرين... إلخ. وإن كنت عرفت الآن أنكم عنصر واحد بعد بحوث مارك جوبلنج، كوفرسيلد، لوقا باجامى، مارجريت كندل، طارق طه. قابلت السيدة أم كلثوم والتى كانت تطلب مقابلتى حتى تتعلم منى على حد قولها، وضعت لها كلمات أحلى وأشهر أغنية لها:
أهل الهوى يا ليل فاتوا مضاجعهم.... إلخ.
عشت فى سلام منذ ١٩٤٠ حتى رحيلى ١٩٦١، كرمنى الرئيس عبدالناصر بجائزة الدولة التقديرية ١٩٦٠، ورثانى صلاح جاهين، منها: مات زى ما كتف الجيل ينهد/ مات باقتدار وفخار ماقالش لحد... إلخ.
كان أمير الشعراء يقول: لا أخاف على شعرى إلا من زجل بيرم التونسى، ذلك لأنى كنت أضع الكثير من التجارب والمعانى فى كلمات قليلة لها موسيقى لفظية، فكان الشعب يرددها، وكانت تجلب علىَّ سخط المسؤولين!.
مثلًا قلت: فيكى يا مصر حاجة محيرانى
القمح يزرعوه فى سنين والقرع يطلع فى ثوانى!.
كما قلت مرة: يا أهل المغنى/ وجعتوا دماغنا/ دقيقة سكوت لله!.
زعلوا منى أهل المغنى كما زعلوا منى بتوع القرع!، أحب مصر من أعماق قلبى، لذا تجولت بروحى فى مصر هذه الأيام، ووجدت أشياء كثيرة محيرانى، أمليتها على صاحب هذه السطور حتى ينقلها إليكم!. وجدت ملايين الآلات القاتلة المسماة بالتوك توك، لا أرقام «إلا فى القليل»، لا رخصة بحجة أنهم أطفال!!، ومن السهل الرخصة لبالغ حتى يكون مسؤولًا عن الطفل، لعل مسؤول المرور يقرأ ما قاله موشيه ديان: أخاف من مصر إذا تم ضبط المرور!.
هذه المكتبة العظيمة التى أصبحت الأولى على ٢٩ دولة: مكتبة المعادى العامة، أسير فى الشوارع حولها، الحفر والمطبات جديرة بإعطاء صورة قبيحة للمكتبة والبنك المجاور لها، بل المدارس المحيطة بها.. شىء مؤسف حقًا. إشارات المرور، ساعة تعمل وساعة لا تعمل، ولو تركوها تعمل أوتوماتيكيًا، لن تتداخل السيارات فى بعضها البعض، وتكون الحوادث وتعطيل المرور!.
مكاتب الشهر العقارى، والرقم القومى، لماذا لا تكون بها آلة تصوير تريح المواطن، وتدر ربحًا على المكتب بدلًا من الدوخة بحثًا عن آلة تصوير، كذلك نظافة هذه المكاتب، أين المدير المسؤول، دخل بالملايين، ونظافة بالملاليم!، هى قلة فكر وليست قلة مال.
فيكى يا مصر حاجة محيرانى، غنى وثراء من الأرض وتحت الأرض وفوق الأرض، بحيرة ناصر مثلًا: التماسيح والتهام آلاف الأطنان من السمك،ونحن نتفرج ونشكو الفقر، وهو فقر العقول، فهل هذا معقول أو مقبول؟!.
نقلا عن المصرى اليوم