حمدى رزق
وظهر فى الصور مئات المصلين، وهم متجمعون فى ميدان «تايمز سكوير»، الشهير فى قلب مدينة «نيويورك» الأمريكية، يؤدون صلاة التراويح مساء السبت (٢ إبريل) فى مشهد وُصف بأنه «الأول من نوعه فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية».
معلوم، ميدان «تايمز سكوير» أحد أكبر المراكز التجارية التى يقصدها السياح للاستمتاع بالأماكن الترفيهية هناك، ويقع فى منطقة «مانهاتن» فى قلب نيويورك.
منظمو الحدث الفريد كانوا دعوا، قبل أيام من دخول رمضان، المصلين للانضمام إليهم فى ساحة «تايمز سكوير» من خلال نشرات عبر مواقع التواصل الاجتماعى، ولاقت الدعوة استجابة جد لافتة.
وتسامح الأمريكان مع الدعوة، وأفسحوا لإقامة صلاة التراويح، والتقطوا الصور اللطيفة للمصلين بين ركوع وسجود، ولم يعكروا صفو عبادتهم بحرف تشويش، ولم يتنمروا عليهم، ولم تصدر عنهم أصوات زاعقة رافضة، ولم يهددوا المصلين بالويل والثبور.. وعظائم الأمور، ولم يتظاهروا مكورين القبضات فى وجوههم، ولم تُدبج المقالات التحريضية فى الصحافة الأمريكية استهجانًا، ولم يخرج على المسلمين مذيع متنمر ينهرهم أو يقبح فعلهم فى قلب الميدان الشهير.
بالله عليك يا مسلم، هل تتسامح مع مثل هذه صلوات للأقليات الدينية فى قلب ميادين المدن الإسلامية، مثلًا للمسيحيين، أو الهندوس، أو السيخ؟
هل تتسامح العواصم «السُنية» بمثل هذه صلوات «شيعية»، وهل تتسامح العواصم «الشيعية» وتفتح ميادينها الرئيسية لصلوات «السُنة»؟!
صلاة التراويح فى «تايمز سكوير» صورة غربية برسم التسامح، وحرية الأديان، واحترام حرية المعتقد، درس من نيويورك يستوجب استيعابه، وتدبر معناه، ومراجعة كثير من المسلمات التى تشكل نظرتنا كمسلمين إلى الغرب.
إذا حسنت النوايا، والرغبة فى العيش المشترك، مستوجب مراجعة كثير من المصطلحات العنصرية البغيضة الرائجة، وأخطرها مصطلح «الإسلاموفوبيا»، الذى شكل رؤية النخب الغربية فى مراكز صنع القرار الغربى تجاه المسلمين والعكس.
المصطلح البغيض لوَّن العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامى، وحرفها بعيدًا عن فكرة الحوار الحضارى إلى الصدام الحضارى الذى بشَّر به كثير من الأدبيات الغربية، وتلتها كتابات مناهضة إسلامية.
يمكن البناء على مثل هذه التفاصيل الصغيرة، وتعلية البناء التسامحى بعيدًا عن التعصب الأعمى، وهناك حوارات بنَّاءة ومجدية جارية الآن بين الأزهر، قبلة العالم الإسلامى السنى، والفاتيكان، قبلة العالم المسيحى الكاثوليكى، وبين مشيخة الأزهر وأسقفية كانتربرى، وعلى سبيل المثال الكنيسة الإنجيلية فى مصر تمد جسور الحوار المطرزة بالمحبة مع إخوتها المسلمين داخل وخارج الوطن.
التراويح فى «تايمز سكوير» نقلة نوعية، ربما الأكثر تعبيرًا عن الحالة النفسانية الغربية تجاه الإسلام بعد فترة شك مخيفة أعقبت أحداث الحادى عشر من سبتمبر، وكانت أيضًا فى نيويورك، يوم تفجير مركز التجارة العالمى أو «البرجين التوأمين».
خلاصته، فرصة وسنحت للعقلاء المعتدلين على الجانبين لبحث المشتركات الإنسانية ونبذ الثارات الأيديولوجية، اتساقًا مع الآية: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ». (الأنبياء/ ١٠٧).
نقلا عن المصرى اليوم