سحر الجعارة
أحبته، وتوهمت أن كلمة الحب «وعد بالزواج» وأسرفت فى أحلامها، تخيلت أنها يوماً ما ستكون سيدة بيته وحاملة اسمه والمؤتمنة على «شرفه وعرضه»!.

هناك فى محافظة «المنيا»، التى يوجد فيها التيار السلفى ليسود معنى التحريم ويشمل ما نسميه «الحب العذرى»، وتفرض العادات والتقاليد متاريس «العيب».. كان «الواتساب» هو البديل الوحيد لنظرة العشق الناعسة فى عينيها.. كان هو صباحها وعطرها ووردتها المختبئة بين قصيدة حب.. كانت تشعر كأن الشمس تشرق من كلماته وتغرب إذا انقطعت شبكة الإنترنت.

لم تدرك ابنة الستة عشر ربيعاً «القاصر» أن المختبئ خلف الشاشة «قناص» كل همه أن يسرق منها سترها ويتاجر بعرضها ويقدم لحمها النىء على موائد الآخرين، (عبر الواتساب أيضاً)، كيف لها أن تعرف أنه ليس الأنبل ولا أنه الفارس الذى جاءها على حصان أبيض؟

كان يجيد إخفاء انفعالاته وكذبه وألاعيبه خلف شاشة الموبايل حتى لا تكتشف أنه «كذوب» وأن «قناع الاحترام» المزيف والأدب الجم ليس إلا للإيقاع بفريسته.. وخدرها الحب حتى أصبحت فريسة سهلة.

استخدم كل أساليب الغواية و«النصب العاطفى» والاحتيال.. حتى تخيلت أن عليها أن تلبى «لهفته» ببعض من الصور «الخادشة للحياء» لترضى من توهمت أنه «رجلها».

- (يعنى المجنى عليها أرسلت صوراً خارجة خادشة للحياء بـ«محض إرادتها» للمتهم؟).

- صحيح.. والدستور الذى يحمى حرمة الحياة الخاصة: المادة 59 من الدستور تنص على أن الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل مقيم على أرضها.

- أى حياة خاصة لبنت «مستهترة عديمة التربية».. أين الأخلاق والضمير وهى تتصور شبه عارية: (بتروجوا للعرى والإباحية والفجور يا علمانيين يا كفرة.. إلى آخر قاموس البذاءة)!.

- الضمير والأخلاق لا تُحاسب عليهما الفتاة القاصر وحدها بل يُلام ويُحاكم بهما «المتهم».. المتهم استعمل الصور «دون رضائها» بأن أرسل لها تلك الصور على تطبيق الواتساب، ثم هددها كتابياً ليطالبها بإرسال صور وفيديوهات جنسية تظهر فيها عارية بدون ملابس وفى حالة رفضها سيقوم بنشر تلك الصور بمدرسة والدتها وأصدقائها وعلى تطبيقات السوشيال ميديا.. وأخبرت الضحية والدتها فقامت بتحرير محضر بالواقعة.

(الفصل السابق من المأساة): سبق أن كتبت فى جريدة «الوطن» مقالين متتابعين بعد وقائع انتحار أضجت المجتمع المصرى: «بسنت خالد» التى انتحرت بحبة حفظ الغلال.. بعد أن وزعوا لها «صوراً مفبركة» وكأنما يلتهمون الفضيلة والعفة (تلك التى قد تدفع أحدهم لقتل أخته أو أمه أو زوجته دفاعاً عن الشرف).

و«هايدى» التى انتحرت بنفس الأسلوب، بعد حملة تهديد وابتزاز وتشهير.. وصورتها «جارتها» أثناء تغيير ملابسها، وقامت مع أربعة متهمين -بينهم الأم- بفبركة صور مشينة وسربت تلك الصور لشباب بالقرية، الذين نشروها على مواقع التواصل الاجتماعى للتشهير بها.

واليوم جاء حكم محكمة جنايات المنيا بمعاقبة المتهم «يوسف.س.م» بالسجن المشدد لمدة 15 عاماً، وإلزامه بدفع المصاريف الجنائية، لثبوت الاتهام الموجه إليه بتهديد فتاة بنشر صور فاضحة لها على الواتساب.. لتنعم أرواح البريئات بالسلام الذى لم يجداه على الأرض.

وأوضحت المحكمة أن العبرة ليست فى طريقة الحصول عليها باستخدام الجانى لها فيما هو غير مشروع ومؤثم قانوناً سواء كان الجانى قد استحصل على الصور الخادشة للحياء والفيديوهات الإباحية برضاء المجنى عليها أو بحيلة أو خلسة أو كرهاً أو تركيباً بأى وسيلة أخرى طالما قام بأفعال التهديد أو الإزعاج أو النشر أو الاستغلال للحصول على منفعة مالية أو جنسية أو أى منفعة أخرى.

كلمات المحكمة مع الحكم الرادع هى «الدرس القاسى» لكن من تسوِّل له نفسه أن يتلاعب بمشاعر أنثى بالحب الكاذب وهو يتآمر على جسدها.. وهو درس أيضاً لكل أنثى تأتمن شاباً على صورها أو تستجيب لرغباته الدنيئة.
نقلا عن الوطن