عادل نعمان
إذا كنا نحاكم الفتيات المراهقات على التيك توك بتهمة التحريض على الفسق والفجور، ويقف مجتمع الشرف والفضيلة مؤيدًا ومزايدًا ونصيرًا، فمن باب أولى أن نحاكم مَن حرض على القتل بتهمة الفاعل الأصلى كما ينص ويشرع القانون، وإلا انصرِفوا وتغافلوا عن كل من حرضت على الفسق والفجور كما انصرفتم وتغافلتم عن كل من حرض على القتل.
قاتل القمص الشهيد أرسانيوس وديد، كاهن كنيسة السيدة العذراء بالإسكندرية، ليس مختلًا عقليًا أو مريضًا نفسيًا، وإلا كان كل الغزاة فى تاريخنا القديم والحديث مختلين عقليا، ويجب محاكمتهم بأثر رجعى، ويطالبهم ولاة الدم وورثة المظالم بالقصاص والدية، ورد الغنائم والأسلاب والأموال وشرف المسبيات والمحظيات اللائى أجبرن وأرغمن على مضاجعة الأشاوس فى ميادين الجهاد، وسُحبن كالدواب مكبلات بالأصفاد والأغلال مئات الأميال ليلحقن بقصور الأمراء والحكام متعة للناظرين.
قاتل الكاهن ليس مختلا عقليا، بل قرأ وسمع وفهم واقتنع وخرج لمهمة قد ساقوه إليها بأجر، سوف يسبقه إلى السماء يفرح بهن ويسعد بلقائهن، وقد باع دنياه ودنيا غيره بهذا اللقاء المرتقب.. لكنه لم يسأل نفسه سؤالا واحدا: لماذا لم يرسل هؤلاء المشايخ أحد أبنائهم لهذه المهمة العظيمة النبيلة، ليسعد بالفوز العظيم هذا، أو ينال هو بنفسه هذا الشرف الكريم؟!.
هذا الخلل العقلى وهذا الاضطراب النفسى، الذى لا أعرف لماذا يصوب هؤلاء المختلون عقليًا سهام خللهم لرجال الدين المسيحى والزى المسيحى فقط دون غيرهم؟.. هى لعبة وكذبة يمارسها الهواة فى ساحات المحاكم، ليخرج المتهم منها إلى مستشفى الأمراض العقلية، وتتوه القضية سنوات وسنوات حتى يخرج مختل عقلى جديد وقاتل جديد ينضم إلى صفوف المختلين الذين يصطفون منذ قرون بلا محاكمة أو إصلاح أو تهذيب.
المحرضون على القتل هم مشايخ أحرار طلقاء ينامون فى سلام، وينتقلون بين ساحات الوغى يدعون المضللين إلى الجهاد ضد الكافرين المشركين، ويغرفون من الطعام ما لذّ وطاب على موائد المضيفين، وسط دعاء الأحباء بدوام نعم الله، ويعودون فى المساء إلى خدر وحضن النساء، منهن مثنى وثلاث ورباع، ولو كان الأمر بيدهم لزادوهن مئات من مِلك اليمين كما فعل الأجداد، ولو كان الأمر بالحق لكان مصيرهم خلف القضبان مع هؤلاء المختلين عقليا، أو خلف أسوار مستشفيات الأمراض النفسية.
ما قتل قاتل مختل بريئا إلا بتحريض من هؤلاء المشايخ، وما أساء وما روّع وما أفزع هذا المختل الكثير من خلق الله إلا بفتوى منهم، وما فقد عقله وصوابه واتزانه وطارد الناس وكفّر عباد الله إلا بما سمعه واستقبله واستقر عليه من كتب التراث، وما ساقته قدماه وما سعت يديه لنحر وذبح الكاهن البرىء وغيره إلا بما باركه وأمّن عليه هؤلاء أيضا.. ولو كان من حظ ونصيب هذا المختل أن يسمع لأم كلثوم وعبد الوهاب دون هؤلاء لألقى عليه السلام والتحية وهو يتجول على كورنيش الإسكندرية يتنفس الهواء العليل ويناجى أمواج البحر ويغازل الغروب ويهمس بالمحبة للمحبين، إلا أن القدر قد رماه لقلة عقله فى رحاب هؤلاء المشايخ المتطرفين.
هؤلاء المحرّضون هم القتلة الحقيقيون والرئيسيون، وجبت محاكمتهم اليوم وليس غدًا، معروفون بالاسم والعنوان، كتبهم وتسجيلاتهم وندواتهم ولقاءاتهم دليل اتهام دامغ على تحريضهم على التكفير، وهى أول خطوة من خطوات التحريض على القتل، منهم من هو على قيد الحياة يمرح ويلهو بيننا ويجنى الكثير من الأموال من هذا التحريض على السوشيال ميديا، ومنهم من مات ومازال يبث سمومه وأفكاره ويجنى أحفاده الأموال من حقوقه الفكرية القاتلة.
كل من أفتى بقتل المرتد محرض على القتل، كل من أفتى بقتل تارك الصلاة محرض على القتل، كل من أفتى بعدم قتل المسلم بكافر محرض على القتل، كل من أفتى بمعاداة غير المسلم وحذر من مودتهم واتخاذهم أولياء فهو محرض على القتل، كل من أفتى بِبُغض غير المسلمين ووجوب معاداتهم حتى يؤمنوا بالله وحده وحرّم موالاتهم هو محرض على القتل، كل من أفتى بأن غير المسلم عدو لله هو محرض على القتل.
كل من أفتى بأن دم المسلم أعلى شأنا وكرامة من دم غيره محرض على القتل، كل من منع أصحاب الديانات الأخرى إقامة شعائرهم بحرية فهو محرض على القتل، كل من أرغم مسيحية على الإسلام أو استدرجها هو محرض على الكره وتكدير السلم الاجتماعى وتعريض حياة المواطنين للخطر.. هكذا يجب أن تكون الخطوط الحمراء فاصلة ومحددة وليست كالأبواب المواربة يهرب منها القاتل والمحرض، وإلا أصبحنا فى غابة، كلٌّ يقتل الآخر على الهوية أو المذهب.
هذا المقال بلاغ إلى من يهمه الأمر. حاكموا من حرض على الكره والكفر والقتل، هؤلاء مشاركون أصليون فى الجريمة، بهم سيعود كل المختلين عقليا فى تاريخنا إلى الوجود، يقتلون ثم يختبئون خلف أسوار مستشفيات الأمراض العقلية حتى نضطر يوما لبناء سور يلف الوطن من كل جوانبه مكتوب عليه (خطر ممنوع الاقتراب والتصوير).
نقلا عن المصرى اليوم