سحر الجعارة
سؤال استفزازى: ما المكسب الذى يعود على مصر وبناتها من رفع سن الزواج إلى 18 سنة، وهو مشروع القانون الذى وافق عليه مجلس الوزراء مؤخراً، وما الذى خسرناه حتى صدور القانون؟!

سوف تقل نسبة الطلاق التى يتسبب فيها «الزواج المبكر»، وتنخفض أيضاً الوفيات نتيجة الحمل المبكر لطفلة جهازها التناسلى لم يكتمل نموه.. لقد خدعوك فقالوا إن الزواج المبكر يقضى على «العنوسة»، والحقيقة أنه خلق لنا أجيالاً من المطلقات اللاتى تلاحقهن العادات والتقاليد بوصمة «الطلاق».. كما ساهم فى ازدياد نسبة «النساء المعيلات» وظاهرة «أطفال الشوارع».. قد تستغرب أن «علاقة حلال» أثمرت هذه الكوارث الاجتماعية، وهنا نفرّق بين «الاستعداد البيولوجى والنفسى» للأنثى وحقوقها القانونية.. وما بين ما يقال عنه بلغة السلفيين الرجعيين «تحملها للوطء»!

معظم زيجات الأطفال تمت فى غيبة القانون، وأُرغمت الفتاة على الزواج العرفى، فيما تحول إلى ظاهرة سُميت «الزواج السياحى».. فالواقع يؤكد لنا أن لدينا قرية بالكامل يتم بيع فتياتها للأثرياء العرب للزواج السياحى.. ويتقاضى ولىّ الأمر ثمن بكارة ابنته فى سوق النخاسة المودرن.. ثم ينتهى الصيف، وتعود الصبية باردة، فى بطنها نطفة من زوج لا تعرف عنوانه، وقد تكتمل الجريمة حين يُكتب الطفل باسم والدها، وهو خلط واضح للأنساب!

كان من الممكن أن نواجه هذه الظواهر السلبية بالقانون المصرى رقم ٦٤ لسنة ٢٠١٠ والذى ينص على اعتبار «الزواج المبكر» حالة من حالات «الاتجار بالبشر» تصل عقوبتها للمؤبد وغرامة ١٠٠ ألف جنيه على كل من المسئول المباشر عن تزويج الفتيات الصغيرات.. ورغم ذلك فلا أحد يعاقب.. ولم نفكر فى تطبيق هذه المادة لردع المتاجرين بلحم بناتنا؟

فلدينا، للأسف، تراث هائل من الفتاوى التحريضية على الاتجار ببناتنا، فنحن نسير على منهج «ابن تيمية» الذى يرى جواز إجبار الصغيرة البكر غير البالغة على الزواج دون استئذانها. وكذلك رأى جمهور العلماء «المذاهب الأربعة»، التى تجيز عقد النكاح «الزواج» دون التقيد بسن محددة حتى الرضيعة.. لكن الخلاف فى موعد الوطء أو المباشرة (الجماع) وتمكين الفحل من الطفلة! عند المالكية والشافعية لا تسلم الصغيرة للزوج حتى تكبر حتى التاسعة، وإذا كانت تتحمل الوطء أقل من ذلك فلا مانع!

هكذا تحولت الطفلة لدمية تتاجر بها العمائم التى أباحت اغتصاب الطفولة وأولهم عبدالله رشدى، الشهير «بمجانص»، الذى أعلن الحرب على السلم الاجتماعى بفتواه الشهيرة بجواز زواج القاصرات، وذلك منذ سن تسع سنوات، ولكن بشرط أن تُطيق الوطء، إذا كانت سمينة الجسد، على حد وصفه.. وهو ما يُعد تحريضاً سافراً على انتهاك أعراض الأطفال، وتبريراً للمهووسين جنسياً بممارسة البيدوفيليا (pedophilia).. أى التمتع الجنسى بالأطفال.

الآن علينا أن نذكر الجناة كما وردوا فى القانون، هم «ولىّ الأمر والمأذون والمحرض»، وينص القانون على أنه: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مائتى ألف جنيه، كل من تزوج أو زوَّج ذكراً أو أنثى، لم يبلغ أى منهما ثمانى عشرة سنة، وقت الزواج، وتقضى المحكمة على المحكوم عليه إذا كان مأذوناً أو موثقاً أو وصياً على الطفل بالعزل، وإذا كان ولياً عليه بسبب الولاية.

ويعاقب كل من حرّض على هذه الجريمة بذات العقوبة، ولو لم يترتب على التحريض أثر، ولا يُعد الطفل مسئولاً مسئولية جنائية أو مدنية عن هذه الجريمة، ولا تنقضى الدعوى الجنائية الناشئة عن هذه الجريمة بمضىّ المدة.

أغلقوا أبواق السلفيين والرجعيين والمتطرفين حتى يكون هذا القانون فاعلاً وحاضراً.. حاسبوا كل من ينادى بما يسمى زوراً «زواج السنة» كبديل للزواج العرفى.. انشروا «الوعى» بين الجهلة والفقراء لإنقاذ كل طفلة مكبَّلة بالعادات والتقاليد أو معلقة فى مشنقة الفتاوى الشاذة.. فهذه هى البيئة الخصبة للاتجار بأعراض الأطفال.
نقلا عن الوطن