ألفى كامل شنّد
لقرون طويلة أقتصر التعليم فى مصر على المعابد ، الكنائس ،الكتاتيب والازهر ، الذى كان يقوم على تلقى الطالب العلم عن شخص وليس عن الكتب، حتى يصبح لديه أدوات كافية للأخذ من الكتب. كان طالب العلم يفتخر بعدد الشيوخ الذى درس على أيديهم وإذا بلغ عدد الشيوخ 20 شيخاً حصل على شهادة "الاجازة" مدون بها أسماء المشايخ الذين درسو له ، أى تعليم بلا تخطيط أو هدف واضح .
استمر التعليم الدينى قرونا طويلة ،حتى تولى محمد على (1805 – 1849) عرش مصر ، وأراد بناء دولة حديثة ، وإدخال التعليم المدنى ، إرسال بعثات تعليمسة فى أوروبا، وإنشاء مدارس متخصصة كالطب والهندس خان والزراعة والحربية والطب البيطرى والكيمياء والمحاسبة والبحرية ، لتكوين طبقة من المتعلمين للاضطلاع باعمال الحكومة والعمران وبناء جيش قوى ، كان هناك محاولات لإخال هذا النوع من التعليم فى مصر قبل عهد محمد على، لكن على نطاق محدود جداً.
أدرك محمد على بعد فترة من الزمن أنه بدأ بناء هرم التعليم مقلوباً من أعلى إلى أسفل ، فقام فى السنوات العشر الأخيرة من فترة ولايته ، إنشاء مدارس أولية وابتدائية وثانوية ،. فى القاهرة وعواصم المديريات. . ووصل عدد المدارس الابتدائية التي أنشأها 66 مدرسة منها 40 بالوجه البحري و 26 مدرسة في الوجه القبلي . هذه المدارس كانت النواة الأولى لتأسيس "التعليم الرسمي" في مصر. وأجبر الأهالي على إرسال أبنائهم للتعلّم، وأعطى الامتيازات عديدة للطلاب، فكانت المدارس، تتولى إيواء ألطلاب وتقديم الطعام لهم، والملابس، والرواتب الشهريّة..
وبذهب بعض الكتّاب إلى ى أن أول مدرسة للبنات تأسست فى مصر كانت على يد المرسلين الانجليكان سنة 1835م، بينما ُيرجع البعض ألى أن أنشاء محمد على اول مدرسة للفتيات، كانت مدرسة "الولادة" سنة 1832م، وقد قابل المجتمع المصري هذه المدرسة بالتجاهل والإهمال، مما اضطره إلى إجبار الجند والفلاحين على إلحاق بناتهم بها، لكنهم فضلوا العقاب، فلم يكن أمام كلوت بك (طبيب فرنسى عهد إليه محمد على تنظيم إدارة الصحة للحيش) إلا الجواري وساقطات القيد ليكنَّ نواة لهذه المدرسة التي بدأت الدراسة بها سنة 1836م لتعليم الفتيات النواحي الطبية. وبعدها بفترة قصيرة أسست راهبات الراعي الصالح مدرسة للبنات في سنة 1846م ، بحى الموسكي بالقاهرة.
ذكر الدكتور نبيل عبد الحميد، في كتابه "الأجانب وأثرهم في المجتمع المصري من سنة 1882 إلى سنة 1992"، أن رغبة الخديوي محمد سعيد (1854 – 1863) ومن بعده الخديوي إسماعيل (1863 – 1879) في الانفتاح على الغرب دفعتهما إلى الاستعانة بلارساليات الكاثوليكية والبروتستانتية، والمجىء الى مصر لاقامة المدارس ، وتوفير لهماالاراضى والدعم والامتيازات لإقامة مدارس للبنين والبنات حظيت المدارس الكاثوليكية على هوى الخديوى إسماعيل والمصرين على السواء أكثر من البروتستانتية ، لاجادة الشوام المقيمين فى مصر و العائلات الاستقراطية المصرية اللغة والثقافة الفرنسية ، ولقرب عاداتهم ومزاجهم من عادات وتقاليد بلدان البحر الابيض المتوسط ألى جدا ما ، ولم لم يكن التعليم فى المدارس دينياً صرفاً بالشكل الذي قد يخشاه البعض، ولكنه كان مدنياً يدرّس اللغات والرياضيات والعلوم المختلفة، إضافة إلى حصص الدين،
فزادت في عهدهما زيادة ضخمة لمدارس ومن رحم هذا النشاط التعليمى وُلدت الجامعة الأمريكية في القاهرة سنة 1922. ولايمكن فصل حمية النشاط التعليمى للارساليات فى مصر عن التنافس السياسى والمذهبى بين الفرنسيين والايطاليين والانجليز والامريكان والالمان .
ولقد راعت أسرة محمد على فى حركة نشر العلم ، تعليم الأغنياء والفقراء سواء، وتعليم المرأة. ودعمًت بقوة الدعوة التى أطلقها على مبارك بإنشاء مدارس ابتدائية وإعدادية ،تتحمل الدولة تكلفة التعليم بها. وأقر الدستور الأول 1923 مجانية التعليم الإلزامي في مادته الـ 19. وقامت الدولة بدعم المتعلمين بحوالي 70% من المصروفات، حتى إقرار مجانية التعليم الابتدائي في 1944، مدّها طه حسين بعد توليه وزارة المعارف إلى التعليم الثانوي، مع إعفاء الحاصلين على أكثر من 60% في الثانوية العامة من المصروفات الجامعية.. ووصلت في سنة 1962م إلى مجانية التعليم الجامعي.وتبنّت ثورة 1952 نشر التعليم على نطاق واسع، لكن صاحب سياسة التوسع غضّ البصر عن الجودة .
ومن ثم يمكن القول ان للأسرة العلوية الفضل فى نشر التعليم الحديث فى البلاد ، واتاحة فرص التعليم للفقراء بقدر المستطاع، بما يتلائم مع إمكانيات الدولة، وبما لايخل بجودته .
الجمعيات الأهلية المسيحية والتعليم فى مصر :
أثار الدور البارز للإرساليات الأجنبية المسيحية فى مجال التعليم فى مصر ، حفيظة الأقباط والمسلمين ، لكن كان لكل منهما رد فعل مختلف . يقول د. خالد محمد نعيم، مدرس التاريخ الحديث المعاصر بكلية الآداب بجامعة المنيا فى كتابه "،الجذور التاريخية لإرساليات التنصير الأجنبية في م(1756 - 1986) " إن مدارس الإرساليات ، أثارت تخوف عدد من الإكليروس القبطى الأرثوذكسى، الذى رأى أن تلك المدارس تبغى تحويل الأقباط الأرثوذكس إلى كاثوليك، وتغلغل المذهب الكاثوليكى فى البلاد ، فاتجهت الكنيسة القبطيةالارثوذكسية فى عهد البابا كيرلس الرابع ( 1854 – 1861) إلى إنشاء المدرسة الكبرى للبنين فى الدرب الواسع – الأزبكية – بجوار البطريركية والكاتدرائية الكبرى، و مدرسة وكنيسة بحارة السقايين بعابدين. وكان الطلبة – فى كلتا المدرستين – يتلقون إلى جانب اللغة العربية، اللغة القبطية (كلغة قومية) واللغتين الإنجليزية والإيطالية والحساب والهندسة وغيرها من العلوم. ثم سارع بإنشاء أول مدرسة قبطية للبنات. ثم توالت بعد ذلك مدارس أخرى: مدرسة البنات بحارة السقايين بعابدين، حتى أصبح بجزار كل كنيسة مدرسة قبطية.
وكانت في الكثير من الأحيان هي المدرسة الوحيدة بالبلدة.
وأسس أعيان الأقباط جمعية التوفيق القبطية الأهلية عام 1891م لخدمة المجتمع، وأسست عدة مدارس، حملت أسم مدارس التوفيق، لاتقل عن مدرسة نظارة المعارف . وأهتمت الجمعية بتعليم الفتيات ، كما أهتمت بالتعليم الصناعي ، وأقامت مدرسة لذلك عام 1904 . وكان عمادها مطبعةكاملة استوردتها الجمعية من الخارج ، تطبع بها مجلات ومطبوعات شهيرة منها مجلة التوفيق، صارت نواة للمطابع الأهلية التي انتشرت في مصر بعد ذلك.وفى سنة1900م تأسست جمعية الإيمان القبطية لأجل تعليم الفقراء بالمجان على إختلاف أديانهم وبمصروفات مخفضة، وذلك قبل تفكير الحكومة المصرية تطبيق فكرة مجانية التعليم ، وبلغ عدد طلاب مدارسها حوالى 7 ألاف طالب وطالبة
وكان هناك رد فعل من جماعة الاخوان المسلمين ، وقد ذكر المُفكر الإسلامي جمال البنا شقيق الاستاذ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين فى حديث مع"الافباط متحدون" منشور بتاريخ 23/2/2010 "أن قدوم الإرساليات المسيحية إلى مصر كان من الأسباب الرئيسة والجوهرية لقيام جماعة الإخوان المسلمين، وأن الجماعة (جماعة الاخوان المسلمين) ظهرت كرد فعل لهذه الإرساليات التبشيرية. . وأضاف البنا ، أن هذه الإرساليات عندما قدمت إلى مصر أنشأت المستوصفات لعلاج المرضى كما أنشأت المدارس، هذا بخلاف الكنائس، إلا أنها مزجت الخدمات التي كانت تقدمها للناس بنوع من التبشير.. مؤكدًا أن هذه الحقيقة أشار إليها حسن البنا المؤسس في بعض كتاباته، حيث توجد في مذكرات الدعوة والداعية لـحسن البنا".
وفي هذا السياق ، يقول الباحث الاسلامى عبده مصطفى دسوقى، ان الجماعة (الاخوان المسلمين) عكفت منذ تأسيسها على التصدى لنشاط الإرساليات فى التعليم فى بعض المدن الصغيرة، وطالبوا فى مؤتمرهم الأول عام 1933م بالإسماعيلية برفع عريضةً إلى الملك فؤاد يطالبون فيها بحماية الشعب المصري من المبشِّرين، وردع هؤلاء المخربين، واقترحوا فرض الرقابة الشديدة على مدارس المبشِّرين ومعاهدهم ودُورهم، وإبعاد كل مَن يثبت للحكومة أنه يعمل على إفساد العقائد. وسعوا فى المقابل إلى إقامة مدارس إسلامية تابعة لهم.
لكن التفات المجتمع المدنى الى أهمية التعليم بدوافع وطنية، برز بقوة مع تزايد المطالبة بالاستقلال الوطنى من الاحتلال الانجليزى ، وتنامى الوعى الوطنى الذى واكب ظهور الطبقة الوسطى من الموظفين والمثقفين - نتاج التعليم الحديث - والمطالبة بالعدالة الإجتماعية، والحداثة، والدعوة إلى تحرير المرأة ،، قاد شعلتها نُخبة من أبناء الوطن الذين نالوا تعليما حديثا فى مصر وأوربا، أمثال : رفاعة الطهطاوى ،محمد لطفى السيد، طه حسين، قاسم أمين، سلامة موسى، وغيرهم، وتناولت الدعوة اليها مقالات و كتب ، مثل: كتاب "تحرير المرأة" عام 1899 لقاسم أمين ، وكتاب "مستقبل الثقافة في مصر" لطه حسين عام 1938، وكتاب "الفلاح عاداته وتقاليده" سنة 1934 لعالم الاجتماع الأب هنرى عيروط اليسوعى ، ومحتواه جزء جزء من أطروحة علمية نال بموجبها مؤلف الكتاب درجة الدكتوراة فى علم الاجتماع من جامعة "ليون" الفرنسية ، كانت أول دراسة علمية عن الفلاح المصرى ، تعد حتى الان مرجع أساسي فى علم الاجتماع حول الفلاح المصرى .
جاء فى مقدمة الكتاب :"ونودّ أن نقول للقارئ، إنّنا اعتمدنا في هذا البحث على ما لاحظناه وحققناه بأنفسنا. وقد استغرق منّا البحث والاستقصاء سنينا عديدة، كانت فيها المُشاهدة والتحرّي عدتنا، فنحن من مصر، ونعيش بين أهلها عيش المواطنين. وقد امتدت مشاهداتنا وملاحظتنا طوال السنين في مختلف أنحاء الريف؛ حيث لم ننقطع عن المشافهة والمحادثة والبحث والاستقصاء والطواف في أنحاء البلاد ومخالطة الطبقات حبًا في الكشف والاستطلاع حتّى جاء بحثنا نتيجة الملاحظة والتأمّل الطويلين… لقد جاء هذا البحث وليد المشاهدة والتحقيق".
تضمن الكتاب فصلاً عن حالة الفلاح بعنوان "بؤس الفلاح"، جاء فيه: "يتمثّل بؤس الفلاح في صورتين، الأولى بؤسه المادّيّ وحرمانه من مقوّمات حياته الجسميّة، فهو فقيرٌ لا يكاد يجد القوت والملبس والمسكن. أمّا الصورة الأخرى لبؤسه، فهي معنويّة تتمثل في حرمانه من التعليم، وجهله وذلته وهوانه على نفسه وعلى غيره، حتّى أصبح دون المستوى الإنسانيّ من هذه الناحية….. أيُّ ظلمٍ أفدح، وأيُّ وضعٍ أنكى من وضع الفلاح؟ لقد حُرم من نعمة التثقيف والترقية، والتربية والتعليم، ثم عوقب من ولاة أموره الّذين تجب عليهم المسارعة إلى انتشاله مما هو فيه… تلك المآسي من فقر وجوع وجهل ومرض، من أسبابها التفكّك والتمزّق وانقطاع الصلة بين البلاد، فبين الوجه البحريّ والقبليّ قطيعةٌ وتباعد، ومثل ذلك بين العاصمة وسائر البلاد، الأمر إذن متعلّق بإذكاء الشعور الإنسانيّ في نفس هذا الجمهور الشهيد ورفع الروح المعنويّة لأفراده وجماعاته، وهذا واجب المثقفين من أبنائه، هذه الرسالة السامية، هي رسالة المعلمين ورجال الدين هم قبل غيرهم وهم الذين تدعوهم طبيعة عملهم إلى الاندماج والاختلاط بطبقات الأهالي . وكل من يسهّل هذه الرسالة ويساعد على أدائها، يؤدي للوطن أنبل وأقدس واجب إنسانيّ".
وخلص الاب عيروط فى كتابه إلى كون التعليم المدخل الأساسى لتنمية الريف وتحسين أحوال الفلاحين.
وقد شاءت الاقدار ان تتزامن هذه الدراسة وتوصياتها مع مرور المدارس التابعة للكنيسة الكاثوليكية - التى أقامها الأباء الفرنسيسكان واليسوعيين فى القرى ، بداية من عام 1893 - بازمة تمويل بعد انقطاع تدفق التبرعات من بعض الكنائس الكاثوليكية الاوربية، بسبب نشوب الحرب العالمية الثتانية. وازاء ذلك،طلب الأنبا مرقس خزام بطريرك الاقباط الكاثوليك من صديقه الأب عيروط أن يتولى أمر تلك المدارس الكاثوليكية ، لمّا يتمتع به الأباء اليسوعيون من خبرة طويلة ومتميزة فى حقل التعليم تربو على نصف قرن، وعملا بالعبارة الشهيرة للعالم الفرنسيسكانى فرنسيس بيكون "أما الجانب التربوي فاقصر طريق أن يقال لك استشر مدارس اليسوعيين، لأنه لم يجرب ما هو خير منها"، بالاضافة إلى دراسته واهتمامه الخاص بالفلاح المصري وقضاياه، وحثه الدائم الدولة على النهوض بالتعليم .
رأى الاب هنرى عيروط أن الخروج من أزمة الانفاق على المدارس ، يكمن فى تبنى الفكرة والمبادرة التى اتخذها الأقباط ، وهى تأسييس جمعية أهلية كجمعية التوفيق القبطية وجمعية الإيمان لتعليم الفقراء، تقوم بالإشراف والإنفاق على تلك المدارس، بواسطة اشتركات الاعضاء وتبرعات القادرين والمحسنين من أبناء الوطن لتحل محل الاعتماد على المعونات الاجنبية،، والدعوة إلى "تضامن أهل المدينة مع أهل الريف لأجل تعليم الاطفال، وتحسين أحوال الريف" .
وبالفعل أسس الاب عيروط عام 1941 الجمعية المصرية للمدارس الكاثوليكية ، التى تغير اسمها فيما بعد أكثر من مرة وأصبح الآن "جمعية الصعيد للتربية والتنمية".
وقد تميزت مبادرة الاب عيروط عن غيرها فى الاعتماد على دراسة علمية ميدانية وصفية عن الفلاح والنهوض بالقرية المصرية، وربط التعليم بالتنمىة ، واعتبار التعليم مدخل لتنمية القرية ، وللحراك الاجتماعى ، وتغيير أحوال الفلاحين المزرية . ، وعلى العمل التطوعى ، ومشاركة المراة فى المبادرة. حيث استعان فى اداء رسالة الجمعية على المتطوعات من سيدات وفتيات الطبقة الراقية بالقاهرة، والإسكندرية، والمدن الكبرى، لتيسير أعمال الجمعية وجمع التبرعات.
ولم يكتف الأب عيروط بذلك ، وإنما حرص -طول فترة إدارته للجمعية - على مداومة تفقد المدارس فى القرى ، وان ينقل فى حواره مع المربين فى تلك المدارس ، خبرة اليسوعيين التربوية : الاهتمام بكافة جوانب شخصية التلميذ الفكرية، والوجدانية، والبدنية "كل الانسان" وليس الجانب العقلى فقط، والتركيز على الفهم أكثر من التلقين، والحفظ "قليل متقن خير من كثير غير متقن" واستخدام الحواس فى التعليم ، وأسلوب الاستفهام للحث على التفكير عن طريق طرح الأسئلة التى توّلد الإجابة أسئلة جديدة، وهى وسيلة اتبعها السيد المسيح فى التعليم «... وأنتم من تقولون إني هو؟» (متى 16 : 13 – 20) تعليم نظرى شفهى، ومناهج قصيرة تفتح شهية التلميذ للمعرفة، وأن نجاح التعليم يتوقف على بداياته.
مع تطبيق السياسات الاشتراكية فى مصر مع بداية الستينينات من القرن الماضى ، وخروج طبقة الأرياء الذىن اممت ممتلكاتهم من مصر ، والتضييق على حركة المجتمع المدنى، فاتجهت بعض الجمعيات لالأهلية الإسلامية والمسيحية الى التمويل الاجنبى لتغطية الانفاق على أنشطتها التنموية، تحت إشراف وزارة الشئون الإجتماعية التى أصبحت يطلق عليها وزارة التضامن الإجتماعى . وانصرف البعض إلى العمل فى مجالات خيرية بعيدة عن التعليم ، الذى يصعب تمويله بصفة منتظمة ومسنمرة، لاتتوقف، وتولت الدولة مسئوليته بالكامل .
بعد برهة من الزمن ، وجدت الجمعيات الأهلية العاملة فى التعليم – التى تعتمد على نحو أكثر من 90% على التمويل الخارجى - نفسها فى أزمة مع إتجاه الدول والهيئات الغربية الممولة إلى تمويل تعمير بلدان أوروبا الشرقية التى إنفصلت عن الاتحاد السوفيتى السابق ، لإحل تأهيلها للانضمام للاتحاد الاوربى ، والمطالبة الاممية لها بتقديم معونات عاجلة للبلدان التى تعانى من دمار الحرب ، والتهجير ،و أعادة تعمير. وتبنى تلك الهيئات الممولة نهج تمويل المشروعات التنموية القصيرة وسريعة المردود - أمام خيارين: إما الإغلاق أم التحول إلى مدارس خاصة بمصروفات .
تفاقمت أزمة التعليم فى مصر ، منذ بداية الثمانينات من القرن الماضى، حيث بدأ الجديث عن تدانى مستوى التعليم فى مصر، بسبب تبنى الحكومات المتعاقبة سياسة التوسع على حساب الجودة، ولعل أبرز مظاهر الأزمة ، تتمثل فى ارتقاع نسبة التسرب من التعليم الابتدائى ، حيث بلغت نسبة المتسربين 7.3 %، فضلًا عن 26.8 % لم يلتحقوا بالتعليم مطلقًا. وقلة عدد المدارس وارتفاع الكثافة الطلابية بالفصول . و صدور الكثير من التقارير الدولية التى تؤكد تدانى مستوى التعليم . وفى عام 2014 أتخذت الدولة قرار تطوير التعليم .والاعتماد على القطاع الخاص الاستثمارى فى التعليم لمواجهة تزايد تكاليف أعبائه ، وأضطرت الجمعيات الاهلية التى تضطلع بتقديم تعليم مجانى للتلاميذ الفقراء اإلى الإغلاق أو التحول الى مدارس خاصة بمصروفات تتزايد بمعدل سنوى .
فى الختام : إن الواجب الدينى والوطنى يقتضي مراعاة حق الجميع فى تعليم جيد ، واهمية مشاركة المجتمع المدنى ممثلا فى المؤسسات الدينية والجمعيات التابعة لها إلى جانب الدولة، والقطاع الخاص فى حقل التعليم ، ولايعد تعدد منابع التعليم فى ظل العولمة خطرا يهدد هوية أبناء الوطن الواحد الثقاقية ويستلزم ذلك تغيير الصورة النمطية للعمل الخيرى ، وتوجيه جزء من العشور والزكاة وأموال الوقف الخيرى للتعليم. وهو توجه تقره الديانتان الاسلإمية والمسيحية ، وكان شائعا فى مصر، ومعمول به فى الدول الغنية كالولايات المتحدة الامريكية وغيرها .
المراجع :
- تاريخ التربية ، مصطفى أمبن ، القاهرة ، الناشر دار الكتب ، المصرية 2019
- د. خالد محمد نعيم ، لجذور التاريخية لإرساليات التنصير الأجنبية في مصر (1756 - 1986)، دراسة وثائقية اونلين
- د. نبيل عبد الحميد، في كتابه "الأجانب وأثرهم في المجتمع المصري من سنة 1882 إلى سنة 1992"، دراسة وثائقية اونلين
- د. مينا بديع غبد النلطك ، قصة تأسيس المدرسة القبطية فى مصر ، جريدة الدستور ، العدد الصادر بتاريخ 7 يوليو 2021
- جمال البنا ،، الأقباط متحدون، حديث منشور ، بتاريخ 23 /2/2010 .
- الفلاحون، الأب الدكتور هنري عيروط اليسوعي، ترجمة الدكتورمحمد غلاب، الطبعة الثانية للنسخة المترجمة عام 1942