عزة كامل
هذا الأسبوع هو أسبوع الآلام، ذكرى دخول يسوع إلى مدينة القدس، واستقبال أهل المدينة له بالسعف والزيتون المُزيَّن، مما دفعنى إلى التأمل والنبش فى ذاكرتى وفى مكتبتى عن الروايات التى تناولت سيرة المسيح واستلهمت تسامحه ومعجزاته. أهم هذه الروايات هى «المسيح يُصلب من جديد»، للروائى اليونانى «نيكوس كازانتزاكيس».
الرواية صدرت عام 1931، وهى تصور صراع الجنس البشرى على مر التاريخ، وتدور أحداثها فى قرية صغيرة، يريد أهلها إعادة ذكرى صلب السيد المسيح من خلال عمل مسرحى، إذ جرَت العادة كل عام على اختيار مجموعة من الأشخاص فى القرية ليمثلوا أدوار الشخصيات الرئيسية فى حياة المسيح من رجال ونساء، ويقوم الأشخاص الذين يقع عليهم الاختيار بتقمص صفات الشخصيات التى يؤدونها لمدة عام كامل، فإذا كانوا من حواريى المسيح، فعليهم الامتناع عن الكذب وأذى الناس واستغلالهم، إما إذا كان الشخص من أعداء المسيح أو الذين خانوه، ونقصد مَن سيقوم بتمثيل شخصية يهوذا، فعليه أن يقوم بكل المحاولات الدنيئة والخبيثة والمنبوذة والمنافية للصفات النبيلة.
ولكن تكمن المشكلة والصعوبة فى هذا الأمر فى مَن من أهل القرية سيقبل بأداء هذا الدور، أى دور الرجل الذى وشَى بالمسيح؟، وبالطبع الاختيار لا يتم عشوائيًّا، بل يتم بناء على أخلاق الشخصية فى الواقع، وفى النهاية يتم إسناد دور يهوذا إلى رجل قبيح، دون مراعاة لمشاعره أو وصم أهل القرية له، ويُعطَى دور المسيح لشاب طيب جميل.
ومنذ لحظة الاختيار يبدأ الصراع المعلن والمستتر بين شخصية يهوذا وشخصية المسيح، الذى يجد نفسه مُحارَبًا من كبار رجال القرية الجشعين الفاسدين، الذين يستغلون أهالى القرية الفقراء من أجل تحقيق الأرباح وحماية مصالحهم، وينقلب تمثيل الأدوار إلى أدوار حقيقية وكأنها فى الواقع، فبطل الرواية «مانولى»، الشاب الذى يجسد دور يسوع، يجد أنه يحارب الجشع والطمع، ويواجه طغيان الأغنياء وهو يحاول أن يدافع عن الفقراء ويحميهم، فالأغنياء وكبار رجال القرية يشعرون أن الشاب يهدد مصالحهم.
وتبرز حكمة «كازانتزاكيس»، مؤلف الرواية، الذى أراد أن يقول: مازال البسطاء يعيشون فى العالم باختلاف انتماءاتهم الطبقية والاجتماعية تحت سطوة رجال السلطة، الذين يستغلون الدين من أجل النهب والسيطرة على مُقدَّرات أهالى القرية. إنها رواية تحاول استعادة روح الإنسانية للعالم، من خلال التذكير بآلام السيد المسيح والنظرة الفلسفية التى كانت تميز حياته، وتوضح أن الأشرار لا يتوانون عن فعل الأذى بكثافة، وتقصُّد، لأنقى البشر وأكثرهم براءة، حتى لو كانوا أنبياء.
نقلا عن المصرى اليوم