أمينة خيري
توقيت ومحتوى وصياغة الحديث الذى أدلى به فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر لجريدة «صوت الأزهر» ثورى. فالمواجهة هذه الآونة محتدمة. فهناك أنصار الدولة الدينية التى تريد أن تُبقى على مصر فى هوة الإسلام السياسى. وهناك فى المقابل أنصار الدولة المدنية الذين يجاهدون من أجل إنقاذ البلاد والعباد من هوس التطرف الذى ضربنا قبل 50 عامًا.

الفريق الأول غارق فيما ذاع من أفكار وانتشر من خزعبلات، قوامها أن الاختلاف خطيئة، وترك المختلفين دون جذبهم عنوة تقصيرٌ فى العبادة، وعدم فرض الدين بالميكرفون والصوت الزاعق والترويع والتنديد والتهديد والتحقير يعرّض الدين للاهتزاز والمتدينين لخطر الانقراض. والفريق الثانى يجد نفسه متهمًا بأنه يعادى الدين لمجرد أنه يدعو لسيادة القانون، وأنه يحارب المتدينين لأنه يدعو إلى حرية الاعتقاد وحرية طريقة الاعتقاد، وأن التدين أمر بين العبد وربه ولا يحتاج إلى وسيط ورقيب ومصحح ومطهر.

وليس خفيًا على أحد أن الاحتقان بين الفريقين بلغ أوجه فى الأسابيع القليلة الماضية، وهو احتقان متوقع فى ظل إحباطات طالت من كانوا يأملون فى تجديد الخطاب الدينى مما لحق به على مدار نصف قرن، فإذا بالتجديد يفتر، والمقاومين يعلنون انتصارهم فى معركة الإبقاء على مصر فى مربع دولة لا هى بالمدنية ولا هى بالدينية.

وفى رأيى أن ما جاء فى حديث فضيلة الإمام الأكبر يعنى أن الأزهر على استعداد للتطور ولديه القدرة على التجديد. صحيح أن هذه البوادر الطيبة تأخرت كثيرًا، وصحيح أنه من المؤسف أننا فى عام 2022 نعتبر القول بأن المسيحيين ليسوا «أهل ذمة»، بل مواطنون متساوون فى الحقوق والواجبات، نصرًا عظيمًا، وذلك بعد قرون من المواطنة لم يفسدها إلا الإسلام السياسى.. وصحيح أنه كان يفترض ألا يقع المصريون من الأصل فى شَرَك سباق بناء المساجد أمام الكنائس ظنًا من البعض أنه بذلك يحمى دينه، لكن هذا لا يمنع من أن قول فضيلة الإمام الأكبر بأنه من الذين يرون أن بناء مسجد أمام كنيسة نوع من التضييق على المسيحيين وأن الإسلام نهى عن المجىء بمثل هذه المضايقات، أثلج ملايين الصدور، لكنه أيضًا أوغر صدورًا أخرى، وهى الصدور والقلوب والعقول التى تُرِكت من سبق الإصرار والترصد تنهل من ينابيع التطرف والتشدد واحتكار الدين من قبل مجموعات من الأدعياء لا الدعاة.

«الثورة» القادمة من الأزهر الشريف تدفعنا لقدر من التفاؤل، لكنها أيضًا تجعلنا نتساءل عن أسباب ترك تراث البعض من الدعاة الذين تسببوا فى قدر غير قليل من تطرف المصريين واعتناق بعضهم فكرًا مغلوطًا وكرهًا.. لكن من هو مختلف سارٍ فى كل مكان دون مساءلة أو مراجعة أو على الأقل إشارة إلى ما جاء فيه من بذور تطرف.

عمومًا، شكرًا للأزهر الشريف، ونعتبرها بداية رائعة للتطهير.
نقلا عن المصرى اليوم