سحر الجعارة
1- «نقطة ومن أول السطر»: ما أصعب أن يكون الكاتب هو «الخبر».. أن يحاور نفسه، ويحقق فى تجربته المهنية والإنسانية، وهو يشتم رائحة الحبر ويلمس حروفه ساخنة ويتوحد مع جريدته.. أن تكون صحفياً مهمة أسهل من أن تكون كاتباً، وأنا بدأت حياتى المهنية «صحفية» تنقلت بين جرائد مصرية وعربية وعملت بإعداد البرامج وتقديمها فى فضائيات عربية، لكن الناس تعرفنى من كتاباتى.. بدون تحيز هذا هو «التأثير فى الرأى العام» من خلال مطبوعة محترمة وعفية تسير واثقة على خطى «الوطن الأم»: إذاً أنا أستفيد بجهد «شباب الوطن» الذين يدورون مع إيقاع المطابع، يلهثون خلف الأخبار والتحقيقات ليقدموا فى النهاية «خريطة مصر» بموضوعية ومهنية فائقة إلى القارئ.. نقطة.

2- قلب الوطن: ولدت جريدة «الوطن» فى فترة حرجة من عمر البلاد، وكان «الفرز» بتار: إما أن تكون مع بلدك أو ضدها.. وكانت «صاحبة الجلالة» طرفاً فاعلاً فى المعادلة السياسية، لم نكن نكتب بأقلامنا كنا نثور على الطغيان ونغامر بمستقبلنا ونحمل رقابنا فوق كفوفنا.. كانت عبارة «يسقط حكم المرشد» كفيلة بتهديد حياتنا الذى بلغ ذروته فى عملية اقتحام مقر الجريدة من «ميليشيات الإخوان».. وقتها كنا جنوداً فى محراب الكلمة لا نفتش عن «حرية الرأى والتعبير» بل نثور ليتحرر بنا الوطن المثخن بجراح العمالة والبيزنس والتخابر مع «المحتل الإخوانى».. كنت أصرخ آنذاك على الشاشات: «هذا نظام يلغى المرأة قبل أن يلغى الإعلام».

3- «الكلمة ثورة»: كيف تحول حلمى الرومانسى بدخول عالم الصحافة إلى صدام دموى مع تيار الإسلام السياسى؟. ومتى أصبح القلم سيفاً ورصاصة له أعداء وخصوم؟. من الذى حول «المانشيت الرئيسى» إلى هتاف فى المظاهرات؟.. من أين جاءتنا الشجاعة لنواجه تنظيماً فاشياً مستبداً بحروفنا المنمنمة؟.. ملخص الإجابات: أننا معجونون بهذه التجربة فى لحظة توحد مع الوطن والتحام بقدسية الكلمة تحولنا إلى «ثوار».. نحن أبناء التجربة.. عشاق الحياة.. جنود مصر.. صورتنا البراقة فى عيون القراء ليست إلا «موقفاً».. نحن قلب 30 يونيو ناسها وحراسها وأجنحتها.. نحن من راهنا على «السيسى» وفزنا به.

4- «يسألونك عن الحرية»: منذ أصبحت كاتبة «محترفة» ولى شرط واحد فى الجريدة التى أكتب فيها بعيداً «عن مؤسستى الأم»: «مساحة الحرية» لا تقبل التفاوض، لقد قتلت الرقيب وودعته منذ زمن ولا رقيب علىّ إلا ضميرى.

وأعترف أنى امرأة بلا حسابات لا توازنات ولا أتحسب للخطر مهما اشتد، ويبدو أن جماعة الإخوان الإرهابية لم تتجاوز بعد صدمتها، قرر أحد رجال الإخوان المتخفين أن يجرنى فى المحاكم.. وهنا كان الاختيار الصعب، ودون أدنى حسابات خاضت الجريدة معى المعركة بالدعم والمساندة بالتغطية الصحفية اللازمة.. وكعادته يتحمل الدكتور «محمود مسلم»، رئيس التحرير مشاغباتنا ومشاكساتنا.. ولا يزال يتحمل متاعبنا وهمومنا فى مشوار «البحث عن المتاعب».

5- الترويسة: هذا المصطلح يعنى فى الصحافة «أسماء القيادات» للجريدة، وعادة تكتب بعناوين بارزة.. الأسماء هنا بالنسبة لى تعنى بشراً من دم ولحم اختبرت إنسانيتهم وأكلت معهم «عيش وملح»، تناقشنا فى كواليس المهنة ونسقنا مواقفنا.. فى هذه الجريدة رجال أثق فى مهنيتهم ووطنيتهم، رجال تشاركت معهم أنضج وأنقى تجاربى الإنسانية والمهنية، لم تغيرهم المناصب ولا الألقاب تزاملنا شباباً وكبرنا معاً.

قبل ست سنوات مررت بأزمة صحية، قبل أن أتم أوراق دخولى المستشفى كان الكاتب الراحل «محمود الكردوسى» أمامى، ولم يتركنى الكاتب «محمود مسلم» لحظة.. أنا أتحدث عن الإنسان، عن «أخوة» صادقة لا تشوبها مصلحة أو غاية.

الألقاب مجرد «حرف» فى رحلة الحياة الطويلة.. وتبقى المعانى فى كلمات «السند والرفقة والتفاهم والاحترام والثقة».. إنها تفاصيل تعجز الكلمات عن وصفها.

6- «كتيبة الوطن»: خلف هذه الجريدة كتيبة من الشباب تدرك دورها الوطنى والمهنى، تحمل على أكتافها مهمة إنجاح الجريدة.. تدرك أن «الموضوعية والصدق» مفاتيح الوصول إلى عقل القارئ وقلبه.. أما أنا فـ«منحازة» إن شئت أن أوفيهم حقهم لاحتجت إلى عدد خاص.. فقط فتشوا عن الملفات الخاصة كمثال: (ملف عن البلطجة، ملف الدواعش العائدين).. أدخلوا الموقع الإلكترونى الذى يحظى بملايين المشاهدين.. أسماء الشباب نترجمها بأعداد التوزيع وملايين المرات من الدخول على مواقع «الوطن» على الإنترنت والسوشيال ميديا.. آثرت أن أختم مقالى بهم لأنهم «الغد» الذى ساهمنا فى تشكيل وعيه -إلى حد ما- وهم حملة راية الحرية من بعدنا «هم مستقبلنا».

نحن رفاق الكلمة «لوحة الفسيفساء» التى تجمعت لتصدر جريدة «الوطن».. نحن عشاقها.. عنفوانها وانتصاراتها.. نزقها ورعونتها وصبرها.. نحن عقلها وقلبها.. نطارد دائماً تلك «الكلمة» المراوغة الفاتنة الرصينة الوقورة المقامرة، التى ندهتنا كـ«النداهة» إلى عالم الصحافة الساحر.
نقلا عن الوطن