هاني صبري - المحامي
ارتفاع معدلات ظاهرة الطلاق في مجتمعنا ، وتشير التقارير الإحصائية الأخيرة أن هناك حالة طلاق كل دقيقتين، وهذا الأمر فيه خطورة علي سلامة واستقرار المجتمع ، وتحتل مصر المرتبة الأولى عالمياً في حالات الطلاق، وهذا يعني أننا لابد أن نتصدى للظاهرة من جذورها وليس فقط في نتائجها.
نري أن الأزمة تكمن في وجود طرف يسئ استخدام حقه تجاه الطرف الآخر، وقد يتعسف الرجل مع الزوجة والعكس، فضلاً عن الأوضاع الثقافية والاقتصادية والاجتماعية ، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي ، مما أنشأ هذا الصراع الذي يجعل كل طرف من الطرفين يبحث عن مصلحته الخاصة بعيداً عن الآخر، فيحدث الانفصال.
قد يظن البعض أن الطلاق بمختلف أسبابه.. هو الحل لهذه الأزمة؟!
في تقديري هذا غير صحيح، بل علي العكس من ذلك فهو يؤدي إلى تفاقم الظاهرة، وانهيار منظومة القيم بأكملها داخل المجتمع. وللأسف الشديد، نجد أن الطلاق غالباً ما يكون هو بداية المشكلة بين طرفي العلاقة وليس نهايتها، ومن الممكن اللجوء لرفع دعاوي كثيرة بينهما منها علي سبيل المثال (دعاوي النفقة بأنواعها والحضانة والرؤية وغيرها)، الطلاق ليس حلاً لكل المشاكل الزوجية ولا يوجد بيت يخلو من الخلافات الزوجية إذا كان الطلاق الحل الوحيد لما استمرت زيجة علي وجه الأرض، والبعض يستند إلى عبارات مطاطة منها استحالة العشرة وهي عبارة غير قابلة للقياس وتختلف من شخص لآخر ، إذا كانت استحالة العشرة كسبب من أسباب الطلاق حسب أهواء كل شخص ومن ثم كل البيوت سيحدث فيها حالات طلاق.
وتستقبل محاكم الأسرة ملايين المواطنين في دعاوى الأحوال الشخصية سنوياً.
نري إن المشرع لم يوفق في صياغة منظومة تشريعية ناجحة للأحوال الشخصية في مصر.
حيث إن كل هذه الأمور تتطلب التعديل العاجل لقوانين الأحوال الشخصية حتى لا يتم المزيد من إهدار حقوق كل من الطرفين، هذا التعديل سيساهم في الحفاظ على تماسك الأسرة المصرية التي هي نواة هذا المجتمع؛ حيث يمثل ارتفاع نسب معدلات الطلاق بصورة مستمرة تهديداً لأمن وسلامة واستقرار المجتمع.
تجدر الإشارة أن هناك اتجاه في مشروع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين من بعض الطوائف فيه توسع في أسباب الطلاق علي الرغم من إعلانهم مراراً وتكراراً رفضهم التوسع في أسباب الطلاق ربما يكون قد اختلط عليهم الأمر في فهم المصطلحات القانونية أو ربما يحاول البعض تصدير أن طائفته تتمسك بتعاليم الكتاب المقدس، وأن أسباب الطلاق في طائفته سببين فقط، ثم يحاول الالتفاف علي المصلحات ويدعي أنه يتوسع فقط في انحلال وبطلان الزواج وذلك علي خلاف الحقيقة.
نوضح ما الفرق بين الانحلال و البطلان والطلاق في الزواج ؟.
انحلال الزواج: هو إنهاء الزواج باختيار الزوج، أو بحكم القاضي، والفُرْقة لغة بمعنى الافتراق، وجمعها فرق، واصطلاحاً: هي انحلال رابطة الزواج، وانقطاع العلاقة بين الزوجين بسبب من الأسباب. والفرقة نوعان: فرقة فسخ وفرقة طلاق. والفسخ إما أن يكون بتراضي الزوجين وهو المخالعة، أو بواسطة القاضي.
أما بطلان الزواج يعنى قانوناً أن عقد الزواج نشأ معدوم الوجود والأثر فيكون باطلا منذ نشأته لأنه ولد ميتا، فلا يكون له أي آثار في الماضي أو الحاضر أو المستقبل أي يصبح هذا الزواج كأن لم يكن أصلا.
الطلاق يعني قانونا أن عقد الزواج قد نشأ صحيحا بين طرفيه ومطابقا للقانون ثم نشأ بعد انعقاده من الأسباب ما أدى إلى حل الرابطة الزوجية.
البطلان يختلف عن أسباب انحلال الزواج من فسخ وتطليق، ويعتبر الأخيرإنهاء للزواج بالنسبة للمستقبل فقط مع الاعتراف بكافة آثاره في الماضي.
نري أنه يجب عدم التوسع في أسباب الطلاق بالنسبة للمسيحيين ويكون التطليق لسببين علة الزنا وتغيير الدين فقط . وأن تكون أسباب البطلان واردة علي سبيل الحصر وهي عدم توافر الشروط الشكلية والموضوعية من حيث الأهلية والرضا وانتفاء الموانع والغش . وإقرار مبدأ حظر تعدد الزوجات في المسيحية مؤدي ذلك بطلان الزواج الثاني المعقود حال قيام الزوجية الأولي.
1- " فلا طلاق إلا لعلة الزنى" ، يقول السيد المسيح "وأما أنا فأقول لكم أن مَنْ طَلَّق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني" (متى 32:5).. وأيضًا "وأقول لكم أن مَنْ طلق امرأته إلا بسبب الزنى وتزوَّج بأخرى يزني" (متى 19: 9).
2- استحالة الطلاق في المسيحية إلا لعلة الزنا وتغيير الدين ، تعاليم الكتاب المقدس واضحة في هذا الشأن ، لا يجوز زواج المرأة التي طلَّقت من زوجها بغير علة الزنا" ومَنْ يتزوج مطلقة فإنه يزني" (متى 32:5).
"والذي يتزوج بمطلقة يزني" (متى 19: 9) "وان طلقت امرأة زوجها، وتزوجت بآخر، تزني" (مرقس 10: 12)، "لكل مَنْ يتزوج بمطلقة من رجل يزني" (لوقا 16: 18).
3- لا يجوز زواج الرجل الذي طلَّق امرأته بغير علة الزنا. وهذا واضح من قول السيد المسيح "كل مَنْ يطلق امرأته، ويتزوج بأخرى، يزني" (لوقا 16: 18).
وأيضًا "مَنْ طلَّق امرأته، وتزوج، يزنى عليها" (مرقس 10: 11).
في تقديري الشخصي أن بداية حل المشكلة، واحد أهم الحلول يبدأ بأن يعرف كل من الزوجين دوره الحقيقي الذي خلقه الله عليه، وأن يفهم الإثنان سيكولوجية بعضهما البعض وأن يكون هناك لغة حوار وصداقة حقيقية بينهما، والبحث عن مساحات مشتركة للتفاهم وتقريب وجهات النظر بينهما بالحب والبعد عن الأنانية، لأن الحياة الزوجية هي المباراة الوحيدة التي يكسب فيها الأثنان معاً أو يخسران معاً.
يجب أن نضع الأسرة المصرية على رأس أولوياتنا، وأن تتضافر كافة الجهود لحمايتها والمحافظة عليها، فهناك حاجة ماسة لنظام تربوي اجتماعي وقانوني وتأهيلي لحياة زوجية سعيدة، وإنشاء مراكز تأهيل للشباب والفتيات المقبلين على الزواج؛ وذلك بعمل “كورسات” لتأهيلهم للزواج من أجل مواجهة حالات الانفصال. ومن أجل نظم حضارية وإنسانية تضع حلولاً لمشاكلهم وللتخفيف من معاناتهم، مع مراعاة مصلحة كل فرد في الأسرة وخاصة الأطفال.