بقلم د. جهاد عوده
جاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى مكتبه بالبيت الابيض بواشنطن محاطا بمساعدية وامامه الصحفيين خلال اتصاله الهاتفي المشترك برئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك ، ورئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان ، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتأكيد تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان يوم الجمعة 23 اكتوبر 2020  حيث  اتفق السودان واسرائيل  يوم الجمعة على تطبيع العلاقات بينهما وإنهاء حالة العداء بين الخرطوم، وتل ابيب. وجاء الاتفاق في محادثة مشتركة بين  الرئيس الامريكي  دونالد ترامب، ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك‏. واتفق القادة الاربعة ترام والبرهان وحمدوك ونتنياهو  يوم الجمعة على أن تجتمع الوفود في الأسابيع المقبلة للتفاوض بشأن اتفاقيات التعاون في تلك المجالات وكذلك في مجال تكنولوجيا الزراعة والطيران وقضايا الهجرة وغيرها من المجالات لصالح الشعبين.  كما عقد القادة العزم على العمل معًا لبناء مستقبل أفضل وتعزيز قضية السلام في المنطقة.  ووفقا لبيان مشترك من القادة الاربعة فقد اتفق على بدء العلاقات الاقتصادية والتجارية ، مع التركيز الأولي على الزراعة.   ووفقا للبيان المشترك فقد اتفقت الولايات المتحدة وإسرائيل على الشراكة مع السودان في بدايته الجديدة وضمان اندماجه بالكامل في المجتمع الدولي.  وبحسب البيان ستتخذ الولايات المتحدة خطوات لاستعادة الحصانة السيادية  للسودان ‏وإشراك شركائها الدوليين لتقليل أعباء ديون السودان ، بما في ذلك دفع المناقشات حول الإعفاء من الديون بما يتفق مع مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون.  كما التزمت الولايات المتحدة وإسرائيل بالعمل مع شركائهما لدعم شعب السودان في تعزيز ديمقراطيته ، وتحسين الأمن الغذائي ‏ومكافحة الإرهاب والتطرف ، والاستفادة من إمكاناتهم الاقتصادية. وبحسب البيان المشترك للقادة ستعمل هذه الخطوة على تحسين الأمن الإقليمي وإطلاق فرص جديدة لشعب السودان وإسرائيل والشرق الأوسط وأفريقيا.
 
هذا وقد وجدت إسرائيل الظروف مهيأة بعد خلع الرئيس السوداني السابق عمر البشير لتعزيز العلاقات السودانية الإسرائيلية والتي تشكل تغييراً استراتيجياً في الشرق الأوسط وأفريقيا. في بداية هذا العام (2020) أقدم رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان، عبد الفتاح البرهان، على اللقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في أوغندا، وهو اللقاء الأول من نوعه لمسؤول سوداني منذ استقلال السودان عام 1956. وقدمت إسرائيل طلباً فورياً وليس بذات أهمية بالنسبة إلى السودان، وهو السماح للطائرات الإسرائيلية بالعبور في الأجواء السودانية. وقد وافق البرهان فوراً على الطلب الإسرائيلي. والحقيقة أنه ومنذ استقلال السودان، لم تنشأ أية علاقات ثنائية بين تل أبيب والخرطوم، بل شاركت الأخيرة في الحروب التي شهدتها المنطقة العربية ضد إسرائيل، كما احتضن السودان قمة “اللاءات الثلاث” المعروفة بقمة الخرطوم في 29 أغسطس/آب 1967، وخرجت القمة العربية آنذاك بإصرار على التمسك بالثوابت من خلال “لاءات” ثلاث، وهي: “لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع إسرائيل قبل أن يعود الحق لأصحابه.  وكشفت صحيفة “ذي تايمز أوف إسرائيل”، نقلا عن مسؤول عسكري سوداني “رفيع” لم تسمه، قوله إن الإمارات هي التي رتبت اللقاء، إلا أن مصادر إسرائيلية أكدت أن ترتيب اللقاء جاء عن طريق نجوى قدح الدم التي كانت تعمل كمستشارة سياسية للرئيس الأوغندي يوري موسفيني، المقرب جدا من الحاكم السوداني، وبدأت في نسج العلاقات بين بنيامين نتنياهو والبرهان والتي أدت إلى اجتماع الشخصيتين. لكن نجوى أصيبت بفيروس “كورونا” المستجد، فأرسلت إسرائيل طائرة خاصة هبطت في مطار الخرطوم وهي تحمل طاقماً طبياً إسرائيلياً لمعالجتها بعد تدهور صحتها، لصعوبة نقلها للعلاج في إسرائيل. وبعد يومين عادت الطائرة الإسرائيلية ووصل الخبر بأن نجوى قد توفيت.
 
بدأت العلاقات بين إسرائيل والسودان، وتحديداً مع حزب الأمة السوداني، في عام 1954، أي بعد ستة أعوام على إقامة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، عندما وصل وفد من الحزب مكون من سيد الصديق المهدي الابن البكر للمهدي وحمد أحمد عمر نائب الأمين العام للحزب، إلى لندن لإجراء مفاوضات مع البريطانيين لنيل استقلالهم، لكن البريطانيين اشترطوا عليهم الاجتماع بالإسرائيليين وطلب المساعدة منهم. وفعلاً اجتمع الطرفان في السفارة الإسرائيلية في لندن واتفقا على لقاءات اخري لإيجاد أرضية مشتركة للوقوف في وجه مصر، عدوهما المشترك، فالسودان يطالب بالانفصال عن مصر بعد جلاء الإنكليز، رغم أن الرئيس المصري للجمهورية الأولى محمد نجيب وعد السودانيين بذلك خصوصاً وأنه ولد في الخرطوم، أما إسرائيل فكانت تتخوف من الانقلاب الذي جرى في مصر وسقوط الملكية. وكانت حكومة السودان ما قبل الاستقلال، وكان يحكمها آنذاك السير روبرت هاو، تتعامل تجارياً مع إسرائيل وتسمح لطائرات الـ “عال” باستخدام الجو السوداني. وفي إحدى الجلسات تم الاتفاق على شراء إسرائيل من الحزب القطن السوداني الذي كان ينتجه في مزارعه الخاصة لثلاث سنوات متتالية على أن تدفع إسرائيل جميع المبلغ مقدماً. وقام أحد المسؤولين السودانيين الكبار بزيارة سرية وتسلم قسماً من المبلغ. لكن شهر العسل في العلاقات بين الطرفين انقطع مع انقلاب الجنرال إبراهيم عبود عام 1958 ليتحول السودان إلى عدو لإسرائيل وإعلان الحرب عليها.
 
مع اعتلاء جعفر النميري سدة الحكم في السودان بين عامي 1980ـ1977 ، سهل الرئيس النميري هجرة “الفلاشا”، اليهود الإثيوبيين، إلى إسرائيل عبر الأراضي السودانية والتي عُرفت بعملية موسى، مقابل مبالغ هائلة ذهب معظمها إلى جيبه. وقد التقى النميري برئيس الوزراء الإسرائيلي  لاحقاً أرييل شارون في كينيا.  وفي زمن الرئيس عمر البشير، وفي الفترة بين 2008- 2014، قصفت إسرائيل أكثر من مرة أهدافًا داخل الأراضي السودانية، بحجة تهريب حكومة الخرطوم أسلحة إيرانية إلى حركة “حماس” في غزة، مرورا بصحراء سيناء المصرية. ووقع الاعتداء الأضخم عندما قصف سلاح الجو الإسرائيلي، مصنعا حربيا في الخرطوم في عام 2012، لكن تل أبيب لم تعلق حتى الآن رسميا، على اتهام السودان لها بتنفيذ الهجوم.  وفي عام 2016 طرح وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور تطبيع العلاقات مع إسرائيل شرط رفع العقوبات الأميركية العقوبات الاقتصادية عن السودان، وتعبيراً عن حسن نيته قطع البشير علاقاته مع إيران، وقام تراجي مصطفي بتأسيس جمعية الصداقة السودانية الإسرائيلية كما زار دوري غولد الناطق السابق باسم نتنياهو بزيارة سرية إلى الخرطوم .  وكشفت القناة التلفزيونية الإسرائيلية مؤخراً أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من اصول سودانية ، ولد في مدينة حالوف الواقعة شمال السودان عام 1949، وأن الاسم الحقيقي لنتنياهو هو عطاالله عبد الرحمن شاؤول وله أقارب من ذوي البشرة السوداء من الدرجة الثانية وقد هاجرت عائلته الثرية إلى الولايات المتحدة وإسرائيل.
 
علما انه جرى لقاء رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي جرى برعاية الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني في كمبالا أمس واستمر لمدة ساعتين، حسب مصادر سودانية.  مصدر بالخارجية السودانية لـ RT: لقاء البرهان مع نتنياهو جاء دون تنسيق مع وزارة الخارجية. ورتب موسيفيتي بحسب المصادر اللقاء قبل أسبوع بين البرهان ونتنياهو. وكان نتنياهو قال قبيل توجهه للقاء البرهان في أوغندا، إن إسرائيل تعود إلى إفريقيا بشكل كبير، وإن القارة تعود إلى أحضان إسرائيل.  وتناول اللقاء الأول من نوعه بين المسؤولين، البدء في تطبيع العلاقات بين البلدين وإقامة مصالح مشتركة، من ضمنها تحليق طيران العال الإسرائيلي عبر الأجواء السودانية. وتعد دعوة البرهان لزيارة واشنطن الأولى لمسؤول سوداني رفيع المستوى منذ ما يقارب 30 عاما، شهدت خلالها العلاقات بين البلدين تدهورا كبيرا.  وتأمل الحكومة الانتقالية بأن تقوم الإدارة الأمريكية برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب المدرج فيها منذ عام 1993، التي تحول دون اندماجه في المجتمع الدولي. وكشف مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية تيبور ناجي، خلال زيارته الخرطوم الأسبوع الماضي، عن مفاوضات جارية بين الإدارة الأميركية والحكومة الانتقالية، تناقش أموراً أكبر من ملف وجوده على لائحة الإرهاب. وأوضح أن بقاء السودان في القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب لا يحول بينه وبين التعامل مع المنظومة المصرفية العالمية.
 
كما نظم المئات من اللاجئيين السُودانيين في إسرائيل مسيرة إحتجاجية أمام مقر الإتحاد الأوربي في العاصمة الاسرائيلية ” تل أبيب”،إحتجاجاً علي قمع الحراك السلمي في السُودان وقتل المتظاهرين بسلاح مليشيا الجنجويد يونيو 25, 2019   . وقدموا خطاب لسفارة الاتحاد الأوروبي بتل أبيب يطالبون بالتدخل السريع عبر الوسائل التي يمتلكونها لإنقاذ الشعب السُوداني . وقال الناشط أنور سليمان ل (صوت الهامش) ،أن المسيرة قصدت مقر الإتحاد الأوربي للقول بأن الشعب السوداني يُقتل كل يوم بسلاح مليشيات الجنجويد،وأعتبرها إمتداد لنظام الرئيس المخلوع عمر البشير ولمشروع الإخوان المسلمين الذي مازال يساهم في زعزعة الأمن القومي والإقليمي ، حسب تعبيره . ولفت الخطاب أن فض إعتصام القيادة العامة بالقوة يؤكد وحشية النظام ووقوفه ضد إرادة الشعب في حرية التعبير والتطلع إلي حياة أفضل . وطالب الخطاب  قادة الإتحاد الأوربي بالضغط تجاه فتح تحقيق دولي حول أحداث فض الإعتصام،وإعتبار مليشيا الدعم السريع منظمة إرهابية، والتنسيق مع القوي الإقليمية من أجل نقل السلطة للشعب. إلي ذلك قال الحاج التوم وهو أحد منظمي التظاهرة إنهم طالبوا الاتحاد الأوروبي بإيقاف الدعم المادي الذي تقدمه وقدمته فى السابق لمليشيات الجنجويد ، مشيراً “إنها عززت من قدرات تلك المليشيات الإجرامية” . وأشار إنهم طالبوا  ايضا من الاتحاد الأوروبي بالقيام بدور أكبر وأن لا يعترفو بالمجلس الانقلابي ، لجهة طالبوا بدعم التحول الديمقراطي في السودان وتسليم السلطة لقيادة مدنية ، مبيناً إنها إرادة الشعب السوداني الذي يتطلع لبناء دولة مدنية ديمقراطية . وقال المصدر إن المبعوث الرئاسي  للدوله السودانيه وصل إلى إسرائيل في09  فبراير 2022. ولم يصدر أي تأكيد فوري من المتحدثين باسم الحكومة الإسرائيلية والسودانية. تحرك السودان نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل في عام 2020. سافر المبعوثون بين إسرائيل والسودان منذ ذلك الحين ، على الرغم من عدم توقيع أي اتفاق رسمي حتى الآن. يُنظر إلى الجيش السوداني على أنه قاد التحرك نحو إسرائيل بينما كانت الجماعات المدنية أكثر ترددًا في ذلك. استولى الجيش السوداني على السلطة في البلاد في 25 أكتوبر ، منهياً شراكة مع الأحزاب السياسية المدنية بدأت بعد أن أطاح الجيش بعمر البشير كحاكم للسودان في عام 2019.
 
هذا ولسنوات عديدة ، عاش العرب في السودان بسلام إلى جانب الأفارقة الأصليين في المنطقة. بعد الجفاف الشديد في الثمانينيات ، تدهور الوضع وتعرضت القرى الأفريقية لهجمات منتظمة من قبل القوات الحكومية. في عام 2003 ، وكرد فعل على الهجمات ، هاجم جيش تحرير السودان ، وهو جماعة متمردة تتكون أساسًا من الأفارقة من منطقة دارفور في السودان ، القوات الحكومية في دارفور. وردا على ذلك ، قامت الحكومة المركزية في العاصمة الخرطوم بتسليح وتمويل مليشيات عربية تسمى الجنجويد. لقد هياجوا في جميع أنحاء البلاد وقتلوا المسلم الأصليوالرجال والنساء والأطفال الأفارقة المسيحيون في جميع أنحاء السودان. قامت المليشيات باغتصاب النساء ، وحرق القرى ، وإرهاب كل من واجهوه من غير العرب. بدأ الصراع في عام 2003 ، وقتل ما يقدر بـ 480.000 شخص ، ودمرت أكثر من 3200 قرية أفريقية ، ونزح أكثر من 2.5 مليون شخص. أصبح ما يقرب من خمسة ملايين سوداني يعتمدون على المساعدات الإنسانية. في يوليو 2007 ، وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع على القرار 1769 الذي دعا إلى قوة حفظ سلام 26000 عضو تتألف من 20000 جندي و 6000 فرد مدني. ولكن بعد مرور عام ، لم يكن على الأرض في دارفور سوى 9000 من أصل 20000 جندي مصرح به. وفر العديد من الحجاج السودانيين إلى جمهورية تشاد ومصر . اعتبارًا من ديسمبر 2013 ، فر ما يقرب من 275000 إلى تشاد وحوالي 18000 إلى مصر ، حيث لا يزالون يعانون من نقص الحقوق الأساسية ويعيشون على حافة المجاعة تحت التهديد المستمر بالمضايقة والاضطهاد والعنف من السلطات والسكان المحليين على حد سواء.  بدأ اللاجئون السودانيون الفرار من مصر إلى إسرائيل في عام 2005. لقد عبروا سيناء في رحلة شاقة ومروعة ، يقودها البدو الذين غالبًا ما يتقاضون ما بين 100 و 300 دولار مقابل خدماتهم الإرشادية. عندما بدأ اللاجئون عبور الحدود  عبر فجوات بين مصر وإسرائيل ، صدرت أوامر لشرطة الحدود المصرية بإطلاق النار على أي شخص رأوه واتبعوا أوامرهم بجدية. أولئك الذين تمكنوا من دخول إسرائيل أحياء كانوا جرحى أو جائعين في كثير من الأحيان. عالج الجيش الإسرائيلي المحتاجين للطعام والرعاية الطبية ثم اعتقل اللاجئين.
 
وفقًا للقانون الإسرائيلي لعام 1954 ، يجب احتجاز جميع المتسللين من الدول المعادية ، مثل السودان التي تؤوي إرهابيين ، حتى يتم تأكيد وضعهم كلاجئين. استقبلت إسرائيل أقل من 2000 لاجئ في عام 2007. وقد تم القبض على العديد من هؤلاء اللاجئين في بئر السبع عند عبور الحدود. لقد أمضوا بعض الوقت في السجون أو مراكز الاحتجاز ، مثل مجمع سجن كيتزيوت الذي تم إنشاؤه لاستيعاب 2000 لاجئ في مقطورات صغيرة من النوع المستخدم في مواقع البناء. جادل أنصار معسكر الاعتقال بضرورة تمكين السلطات من فرز كل من يتم القبض عليهم وهم يتسللون إلى إسرائيل عبر حدودها مع مصر. ومن بين المتسللين من غير اللاجئين ما يقدر بنحو 1500 مهاجر غير شرعي من إفريقيا جاءوا بحثًا عن عمل ومئات من أوروبا الشرقيةيتم الاتجار به في صناعة تجارة الجنس . أُعيد العديد من اللاجئين إلى مصر ، حيث واجهوا مزيدًا من الاحتجاز أو الترحيل إلى السودان . زعم المنتقدون أن إسرائيل انتهكت القانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951 ، التي تحظر طرد اللاجئين دون تقييم طلباتهم للحصول على اللجوء. تتمثل مسؤولية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في إيجاد حل دائم لمشكلة اللاجئين. جادلت إسرائيل بأن بلدها الصغير لا يمكن أن يستقبل المزيد من اللاجئين وأنه يجب على المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن تلعب دوراً أكثر نشاطاً في مساعدة اللاجئين.
 
من أطلق سراحهم وسمح لهم بالبقاء في إسرائيل واجهوا واقعا قاسيا. كان من الصعب الحصول على وظائف والظروف المعيشية بائسة. يقول الخط الساخن للعمال المهاجرين إن 17000 لاجئ أفريقي دخلوا إسرائيل عبر الحدود المصرية منذ عام 2006 ، من بينهم 5000 مهاجر سوداني ، 3000 منهم مسيحيون استقروا في إسرائيل. يعيش حاليًا حوالي 1200 من سكان دارفور في إسرائيل ، منهم حوالي 500 في تل أبيب والباقي يعملون بشكل أساسي في الكيبوتسات في الجنوب وفي فنادق في إيلات . أولئك الذين وجدوا الحياة في الكيبوتسات والفنادق في إيلات يجدون أنفسهم أكثر سعادة من أولئك في تل أبيبحيث تندر الوظائف وظروف المعيشة قاسية. أصبح ملجأ متهدم من القنابل على الجانب الآخر من محطة الحافلات المركزية في تل أبيب موطنًا للعديد من الأفارقة حتى يتمكنوا من العثور على عمل أو سكن مناسب. بعد منح اللجوء للاجئين ، كانت جهود الحكومة الإسرائيلية للمساعدة على اندماج الأفارقة في المجتمع ضئيلة. وبدلاً من ذلك ، تقدم الجمعيات الخيرية والكنائس والمعابد اليهودية ومنظمات المساعدة القانونية والطبية وبلدية تل أبيب يدًا كبيرة.  تساعد عدة منظمات في مساعدة اللاجئين في إسرائيل. بدأت بناي دارفور (أبناء دارفور) في عام 2007 كمنظمة إنسانية غير ربحية توفر الفرص الاجتماعية والرعاية الصحية والتعليم والبرامج الثقافية. وهي تهدف إلى تمكين المجتمعات الدارفورية ، وكذلك السودانية والإريترية ، وتقديم المساعدة الاقتصادية. تأسست المنظمة من قبل بعض اللاجئين الدارفوريين الأوائل الذين وصلوا إلى إسرائيل وبدأت تتجذر بينما كان مؤسسوها لا يزالون رهن الاعتقال. تساعد المنظمة اللاجئين في العثور على وظائف ، وتعلم العبرية والإنجليزية ، والالتحاق بالمدارس أثناء رفع مستوى الوعي بالإبادة الجماعية التي تحدث في دارفور.
 
بالإضافة إلى استيعاب اللاجئين ، أرسلت إسرائيل مساعدات مالية للاجئين في دول أخرى. بحلول 2 نوفمبر 2006 ، ساهمت الحكومة الإسرائيلية والمنظمات اليهودية الأمريكية بمبلغ إجمالي قدره 75000 دولار أمريكي لمساعدة اللاجئين السودانيين الذين استقروا في مخيمات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تشاد. في الولايات المتحدة ، كانت الجالية اليهودية الأمريكية واحدة من أكثر الجماعات صراحةً ونشاطًا في مكافحة الإبادة الجماعية والضغط على قادة الأمة. على سبيل المثال ، أسست الخدمة الأمريكية اليهودية العالمية والمتحف التذكاري للهولوكوست بالولايات المتحدة تحالف أنقذوا دارفور ، وهو أكبر جمع للأموال الخاصة لدارفور في الولايات المتحدة .  في يناير 2014 ، تظاهر أكثر من 20000 مهاجر وطالب لجوء أفريقي في تل أبيب في محاولة لحشد دعم الحكومات الغربية للتنديد بسياسة الاحتجاز الإسرائيلية تجاه المهاجرين الذين يدخلون البلاد بشكل غير قانوني ، ليتم الاعتراف بهم كلاجئين وإقناع إسرائيل بالتوقف عن الاعتقال. منهم وإطلاق سراح المسجونين حاليا. وسار المتظاهرون إلى سفارات فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وكندا وألمانيا برسائل تناشد دعم هذه الدول. تأتي الاحتجاجات في أعقاب قانون صدر في ديسمبر / كانون الأول وافق عليه البرلمان الإسرائيلي ، والذي يسمح للسلطات باحتجاز المهاجرين دون تأشيرات صالحة إلى أجل غير مسمى. ومنذ ذلك الحين ، تم اعتقال أكثر من 300 مهاجر واستدعاء آخرين للاحتجاز. منذ عام 2006 ، عبر ما يقرب من 60 ألف مهاجر – معظمهم من إريتريا والسودان ، إلى إسرائيل عبر الحدود التي كانت سهلة الاختراق مع مصر. بعد الثورة المصرية عام 2011 ، بدأت إسرائيل في بناء سياج حدودي على طول حدودها مع سيناء. لقد قلص السياج الهجرة غير الشرعية بشكل كبير ، إن لم يكن قد أوقفها تمامًا ، اعتبارًا من صيف 2013 ، ويعمل أيضًا ككتلة لمكافحة الإرهاب.
 
يشير مصطلح اللاجئون السودانيون في إسرائيل إلى مواطني السودان الذين التمسوا اللجوء في إسرائيل بسبب الصراع العسكري في الوطن ، وأولئك الذين انتقلوا إلى هناك بشكل غير قانوني كعمال مهاجرين . في عام 2008 ، كان هناك 4000 سوداني في إسرائيل ، و 1200 من دارفور والباقي مسيحيون من جنوب السودان . دخلت الغالبية عبر الحدود الإسرائيلية المصرية. يعيش معظمهم في تل أبيب وأراد وإيلات  وبني براك .
 
أجبرت الحروب الأهلية في السودان التي اندلعت بين الحين والآخر منذ عام 1955 ، وما تلاها من زعزعة الاستقرار والانهيار الاقتصادي الناجم عن البنية التحتية للبلاد واقتصادها ، والقتال في دارفور ، ملايين المدنيين السودانيين على الفرار من ديارهم ومدنهم. في عام 2006 ، بسبب التدفق المكثف للسودانيين والإريتريين الذين يعبرون إسرائيل برا من مصر ، شهدت إسرائيل ارتفاعًا ملحوظًا في عدد طالبي اللجوء . وبينما تم تسجيل 450 طلباً فقط في عام 2005 ، ارتفع عدد الطلبات لعام 2008 إلى 7700.  وتعزى الزيادة في دخول السودانيين إلى إسرائيل منذ عام 2006 إلى مظاهرة قام بها لاجئون سودانيون أمام مكاتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة عام 2005 ، حيث قتلت الشرطة المصرية 28 طالب لجوء. يقول طالبو اللجوء السودانيون أيضًا إن تدهور ظروف اللجوء وغياب الحلول الدائمة في مصر لعب دورًا رئيسيًا في قرارهم القدوم إلى إسرائيل. نظرًا لأن الغالبية يعيشون في مصر منذ التسعينيات ، يمكن وصف عبورهم إلى إسرائيل بأنه حالة انتقال ثانوي فصاعدًا. يُنظر إلى إسرائيل أيضًا على أنها جسر إلى أوروبا واقتصادها القويمقارنة بالدول المجاورة شجعت طالبي اللجوء على متابعة حظهم هناك. في عام 2012 ، بسبب تضاعف تدفق الأفارقة الساعين للحصول على وضع اللاجئ ، بدأت إسرائيل في بناء سياج على طول الحدود ونشرت خططًا لبناء مرفق احتجاز للمتسللين .   على الرغم من المخاطر والمعاملة السيئة من قبل المهربين ، قامت شبكات التهريب التي تديرها مجموعات بدوية في صحراء سيناء بنقل أعداد متزايدة من طالبي اللجوء السودانيين والأفارقة عبر إسرائيل.
 
دعمت إسرائيل تأسيس اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين ، وأصبحت من الدول الموقعة على الاتفاقية في عام 1954. ولكن على الرغم من أنها شاركت بنشاط في تطوير نظام اللاجئين الدولي ، إلا أن إسرائيل لم تنشئ الإطار القانوني المقابل في الداخل.  بعد ضغوط من المفوضية ، تم وضع ترتيب مؤقت للحماية الإنسانية في عام 1999 ، يستفيد منه اللاجئون من البلدان التي مزقتها الحرب في أفريقيا. في عام 2002 ، تم إنشاء إجراء لجوء إسرائيلي مع إطلاق هيئة منح المكانة الوطنية ، وهي وكالة مشتركة بين الوزارات مسؤولة عن تقييم طلبات اللجوء التي تتم معالجتها من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في إسرائيل ، وتقدم المشورة لوزير الداخلية ، الذي يتولى سلطة اتخاذ القرارات النهائية.  ومع ذلك ، لا يزال يتعين على السلطات الإسرائيلية وضع وتنفيذ نهج واضح تجاه طالبي اللجوء . بسبب قلة خبرة السلطات في مجال اللجوء ، تضمنت ردود الفعل الرسمية المبكرة على الوافدين الجدد من الحدود المصرية سياسات متضاربة ومخصصة . أخيرًا ، في يوليو / تموز 2008 ، أنشأت الحكومة هيئة السكان والهجرة والمعابر الحدودية ، وهي مسؤولة عن معالجة طلبات اللجوء وتحديد وضع اللاجئ. في يوليو / تموز 2009 ، تولت السلطات الإسرائيلية رسمياً هذه المسؤولية من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ، ومنذ ذلك الحين أصبحت سياسات اللجوء أكثر وضوحاً. منح الإسرائيليون حماية مؤقتة ومساعدة وتصاريح عمللطالبي اللجوء ، لكنهم احتجزوا أيضًا الآلاف وأجبروا مئات السودانيين وغيرهم من طالبي اللجوء الأفارقة على العودة إلى مصر. ومن بين اللاجئين السودانيين في إسرائيل ، يطلب 850 اللجوء هربًا من الاضطهاد في السودان ، بينهم 200 طفل. أدى افتقار إسرائيل والسودان إلى العلاقات الدبلوماسية إلى تعقيد وضع طالبي اللجوء السودانيين. نظرًا لأن إسرائيل تعتبر السودان “دولة معادية” ، فقد تم اعتقال العديد من اللاجئين السودانيين وفقًا للقانون الإسرائيلي. لكن تم الإفراج عن المعتقلين في بعض الأحيان لإفساح المجال للوافدين الجدد. بالإضافة إلى ذلك ، تجنب السودانيون الاحتجاز من خلال التسجيل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تل أبيب . في الوقت نفسه ، دخلت السلطات الإسرائيلية في شراكة مع مفوضية شؤون اللاجئين في إسرائيل لمنح شكلاً من أشكال الحماية المؤقتة لآلاف من طالبي اللجوء ، بل ومنحتهم حق الوصول إلى الخدمات الاجتماعية والسماح لهم بالعمل.  على الرغم من منع الإسرائيليين قانونًا من توظيف طالبي اللجوء السودانيين ، إلا أن الحظر غير مطبق ، حيث أنه من مصلحة السلطات لطالبي اللجوء إعالة أنفسهم مالياً.  وفقًا لقرار المحكمة العليا في إسرائيل في 13 يناير 2011 ،  لن يتم تغريم أصحاب عمل اللاجئين وطالبي اللجوء . وبالتالي ، في الواقع ، يمكنهم العمل بشكل قانوني في إسرائيل. في فبراير 2015 ، قدمت الحكومة أرقاما إلى المحكمة العليا بخصوص طلبات اللجوء المقدمة من مواطنين سودانيين. منذ عام 2009 ، كان هناك 3165 طلبًا من هذا القبيل ، لكن 45 فقط تلقوا ردًا. ومن بين هؤلاء الـ 45 ، تم رفض 40 ومنح 5 إقامة مؤقتة . بالإضافة إلى ذلك ، سحب 976 من طالبي اللجوء السودانيين طلباتهم أو غادروا إسرائيل. فقط أربعة أشخاص سودانيين أو إريتريين حصلوا على وضع اللاجئ.  هناك ردود فعل متباينة في إسرائيل: تم تنظيم احتجاجات كبيرة بشكل رئيسي من قبل مواطني الأحياء في جنوب تل أبيب الذين يزعمون أن سلامتهم وجودة حياتهم قد دمرت بسبب وجود مهاجرين غير شرعيين من السودان وإريتريا. أيضا ، كانت هناك مظاهرات لدعم اللاجئين.
 
وفقًا لوزارة الداخلية الإسرائيلية ، انخفض عدد المهاجرين الأفارقة الذين يدخلون إسرائيل بشكل غير قانوني عبر مصر بشكل كبير منذ اندلاع الاضطرابات السياسية المصرية في يناير 2011 . دخل حوالي 700 مهاجر إسرائيل في يناير وفبراير ، أي أقل من نصف متوسط ​​العدد الشهري في عام 2010. ويعزى الانخفاض في تدفق المهاجرين إلى زيادة العنف في صحراء سيناء بين الشرطة المصرية والمهربين البدو. في فبراير 2012 ، أعلنت وزارة الداخلية الإسرائيلية أنه يجب على مواطني جنوب السودان العودة بحلول مارس / آذار ، بحجة أنهم لم يعودوا بحاجة إلى الحماية منذ حصول جنوب السودان على الاستقلال. وسيحصلون على 1300 دولار وتذكرة طائرة إذا أعادوا توطينهم طواعية ، ولكن سيتم ترحيل أي شخص لا يعود إلى وطنه.  اعتبارًا من مارس 2021 ، كان هناك حوالي 6200 مهاجر سوداني في إسرائيل. ناقشت الحكومتان الإسرائيلية والسودانية إمكانية عودة المهاجرين إلى السودان بعد اتفاق التطبيع .
 
من المفهوم أن إسرائيل تحقق أقصى استفادة من اتفاقيات “التطبيع” الأخيرة مع الدول العربية. هناك الكثير من اللغط حول الآفاق الاقتصادية الجديدة للشركات الإسرائيلية ووجهات العطلات الجديدة للمسافرين الإسرائيليين والتحالفات الأمنية الجديدة لمؤسسة الدفاع والاستخبارات الإسرائيلية. تحدث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن دعوات لزيارة أبو ظبي من الحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة وإلى المنامة من ولي عهد البحرين. عندما يحدث ذلك ، يمكنك أن تتوقع أن يقوم نتنياهو بهذه الرحلات أكثر بكثير مما فعل في إقامته الخفية الأخيرة في المملكة العربية السعودية. وسط كل هذه الإثارة ، من السهل أن نغفل عن الدولة العربية الأخرى التي أبرمت إسرائيل اتفاقًا معها مؤخرًا: السودان. من المؤكد أن “السلام” مع السودان كان مختلفًا تمامًا عن الاتفاقات مع الإمارات والبحرين. في حين أن اتفاقيات إسرائيل مع الدولتين الخليجيتين تشبه إلى حد كبير زيجات المصلحة ، فإن الترتيب مع السودان له كل مظهر من مظاهر حفل الزفاف ، مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بصفته المسؤول المزدوج. جعلت إدارة ترامب الصفقة شرطا مسبقا لشطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. الحكومة الانتقالية في الخرطوم ، في حاجة ماسة للاستثمارات والقروض لدعم الاقتصاد المنهار ، بالكاد يمكن أن ترفض.  لكن إذا لم تستدعي الاتفاقية مع السودان شغف الاتفاقيات مع الإمارات والبحرين ، فإنها تمنح إسرائيل فرصة لتكوين علاقة مع العالم العربي أعمق من علاقة تقوم على اعتبارات اقتصادية أو استراتيجية. في الواقع ، من الأفضل لنتنياهو أن يضع الخرطوم فوق أبو ظبي والمنامة في قائمة الوجهات العربية.  ليس للسودان الفقير قيمة اقتصادية أو استراتيجية تذكر لإسرائيل: سيكون الوصول إلى موانئه على البحر الأحمر مفيدًا ، وكذلك التعاون في عمليات مكافحة الإرهاب. لكن لدى إسرائيل الكثير لتقدمه للسودان: المساعدات المالية والاستثمار والتكنولوجيا (خاصة في مجالات الزراعة والرعاية الصحية وتحلية المياه) وأشكال أخرى من الدعم الاقتصادي. يمكنه الضغط نيابة عن السودان مع مؤسسات الإقراض متعددة الأطراف. كديمقراطية ، يمكن لإسرائيل أيضًا المساعدة في انتقال السودان إلى حكومة تمثيلية.
 
ربما كان السودانيون يأملون في الحصول على مثل هذه المساعدة من الولايات المتحدة ، لكن يبدو أن إدارة ترامب غير راغبة في تقديم أي شيء يتجاوز الحد الأدنى. وقد أدرجت السودان مؤخرًا في قائمة الدول التي يتعين على مواطنيها دفع تعهد كبير لزيارة الولايات المتحدة . على الرغم من أن الحكومة في الخرطوم يمكن أن تتوقع المزيد من الاهتمام من الرئيس جو بايدن – ووزير الخارجية أنطوني بلينكين – فإن الإدارة الجديدة سيكون لديها قائمة كاملة من أزمات السياسة الخارجية ، ولن يكون السودان على رأس القائمة. لكن السودان لا يطيق الانتظار. يتعرض رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ، بعد أن أطلق سلسلة من الإصلاحات السياسية بعيدة المدى ، لضغوط لتحقيق مكاسب اقتصادية. حتى قبل جائحة الفيروس التاجي والفيضانات المدمرة الأخيرة ، كان الاقتصاد السوداني يعاني من مشاكل خطيرة ، حيث تقلص بنسبة 2.5٪ في عام 2019. والآن ، يتعين على البلاد التعامل مع تضخم من ثلاثة أرقام وتراجع عملتها. يتوقع صندوق النقد الدولي حدوث انكماش بنسبة 8٪ في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. اضطر حمدوك إلى اتخاذ قرارات غير شعبية ، مثل رفع دعم الوقود. إذا لم يُظهر بعض التقدم على الصعيد الاقتصادي ، فقد يواجه غضب المتظاهرين في الشوارع الذين أسقطوا ديكتاتورية عمر البشير. من شأن ذلك أن يغير التوازن في حكومة تقاسم السلطة بعيدًا عن المدنيين وتجاه الرجال الذين يرتدون الزي العسكري ، وفي ظل هذه الظروف العصيبة ، يمكن أن تستخدم الخرطوم كل المساعدة التي يمكن أن تحصل عليها. ستكون المساعدة الإسرائيلية الآن دليلاً على حسن النية تجاه السودانيين – وهي خطوة أولى في تحويل حفل زفاف بندقية إلى زواج حقيقي.
 
في الجزء الأخير من المقابلة  فلفزيونيه ، أقر البرهان ودافع علانية عن وجود علاقات مع إسرائيل. واعترف الجنرال بأن العلاقات مع تل أبيب هي قضية حساسة في بلاده. لكنه أكد أن هناك تعاونا أمنيا بين الطرفين ، وشدد على أهميته لأمن السودان والمنطقة ، فضلا عن اندماج الخرطوم في المجتمع الدولي. وقال إن التبادل مع إسرائيل أتاح الكشف عن وجود مجموعات إرهابية في الأراضي السودانية تعرض الأمن القومي والإقليمي للخطر. وعلى الرغم من عدم تقديمه تفاصيل ، أشار الجنرال إلى أن التعاون مع تل أبيب مكّن السلطات السودانية من إجراء بعض الاعتقالات. تم بث المقابلة بعد أيام قليلة فقط من التقرير الأخير عن زيارة وفد سوداني لإسرائيل.  نريد حل المشاكل بالحوار والاتفاقيات ، ولهذا السبب لم يتوقف التعاون ، وتحديدا التعاون في مسائل الدفاع والاستخبارات. هذا طبيعي وشرعي ، وسيساعدنا في الحفاظ على الأمن في بلدنا والمنطقة “، قال البرهان ، مشيرًا إلى أنهم” لا يخفون ذلك ، وليس لدينا ما يدعو للقلق “.
 
كان البرهان نفسه بالفعل في طليعة التطبيع الدراماتيكي للعلاقات بين جزء من السلطات السودانية وإسرائيل في خضم الفترة الانتقالية التي فجرها استيلائه على السلطة في 25 أكتوبر / تشرين الأول 2021. في أوائل فبراير 2020 ، التقى البرهان لأول مرة برئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو في عنتيبي ، أوغندا ، خلال رحلة شكلت تحولًا مفاجئًا في العلاقات. واتفق الاثنان على “بدء تعاون يؤدي إلى تطبيع العلاقات” ، بحسب  بيان صادر عن مكتب نتنياهو بعد الاجتماع.  ومع ذلك ، لم تلق أنباء اللقاء استقبالًا جيدًا في السودان ، حيث لا يزال التضامن مع الشعب الفلسطيني يمثل قضية مهمة ، وأظهر وجود فجوات جديدة بين القادة المدنيين والعسكريين الذين كانوا يقودون العملية الانتقالية. وقال المتحدث باسم الحكومة فيصل صالح في ذلك الوقت إن مجلس الوزراء لم يكن على علم بالقمة . وكشف عن تفاصيل جديدة عن الرحلة في  ظهوره الأخير على تطبيق كلوب هاوس ، قال محمد الفقي ، عضو مجلس السيادة الذي حله البرهان بعد الانقلاب العسكري ، إن الاجتماع أثار مواجهة شديدة بين اللواء وعدد من قادة الانتقال كادت أن وتسبب التغيير في انهيار الشراكة المدنية العسكرية. جاء الاجتماع في عنتيبي قبل أشهر فقط من توقيع الخرطوم اتفاق  سلام مثير للجدل مع إسرائيل كشرط لشطب السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب. في (يناير) 2021 ، انضم السودان إلى اتفاقات أبراهام التي توسطت فيها الولايات المتحدة لتطبيع علاقاته مع تل أبيب ، وهو إجراء اعتبره الكثيرون أنه يفتقر إلى الدعم الشعبي .
 
قال حاييم كورين ، باحث أول في جامعة رايشمان وسفير مصر في 2014-16: “عندما وصل [دونالد] ترامب إلى السلطة ، أوضح الأمريكيون [للسودان] أن الطريق إلى واشنطن عبر القدس”. وقال للمونيتور إن الخرطوم وتل أبيب لديهما  سجل طويل من التعاملات التي تم التغاضي عنها إلى حد كبير وأن حكام السودان لم يعارضوا دائمًا إقامة علاقات مع إسرائيل. ومع ذلك ، منذ ذلك الحين ، لم يُسجّل أي تقدم تقريبًا بين القادة المدنيين في البلدين ، يُعزى في الغالب إلى  إحجام الجانب السوداني ، على عكس الاجتماعات المتكررة نسبيًا بين الوفود العسكرية والأمنية وميل السلطات العسكرية السودانية الأكبر إلى تقوية العلاقات مع إسرائيل. قبل الانقلاب ، لم تذهب الخرطوم ولا تل أبيب إلى حد الإعلان عن خطط لتبادل السفراء أو فتح سفارات في الدولة الأخرى ، في إشارة بعيدة كل البعد عن الضجة التي أعقبت إقامة العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج. وابتعدت وزارة الخارجية السودانية بشكل منهجينفسها من الوفود التي تزور إسرائيل ، في إشارة واضحة إلى عدم السيطرة على السياسة الخارجية لبلدها.  وجاء أحد الاستثناءات الوحيدة لهذه القاعدة في أكتوبر الماضي ، عندما التقى وزير العدل السوداني نصر الدين عبد الباري في أبو ظبي مع نائب وزير الخارجية الإسرائيلي عيدان رول ووزير التعاون الإقليمي في البلاد عيساوي فريج. اتفق عبد الباري ورول على التعاون المستقبلي بين البلدين ، وركزا بشكل خاص على التعاون في التدريب التكنولوجي لمساعدة الشباب على التكيف مع التغيرات في سوق العمل وكذلك في التعاون التعليمي والثقافي ، حسبما  غرد مكتب رولز وفريج .
 
قال كورين ، الذي كان أيضًا أول سفير إسرائيلي في جنوب السودان: “عندما نحصل على سلام مع شخص ما ، لا نمتلك رفاهية النظر في نوع القيادة التي تتمتع بها [هذه الدول]”. عندما بدأ الجنرالات في الحكومة العسكرية والمدنية الجديدة يتحدثون بجدية عن علاقتنا بنا ، كان ذلك جيدًا لنا لسببين. أولاً ، [لأنهم] أوقفوا علاقتهم بالإرهاب ، بما في ذلك حماس وحزب الله وإسرائيل ، وهو أمر مهم للغاية. وكان من الواضح جدًا أن علاقتهم معنا كانت لتعزيز أجندة اقتصادية ، وهو أمر جيد “.  لكن العلاقة الجزئية بين السودان وإسرائيل ، التي يهيمن عليها الجيش بشكل حصري تقريبًا من الجانب السوداني ، أصبحت إشكالية بشكل خاص في أعقاب الاستيلاء على السلطة في أكتوبر. في حين سارعت معظم الحكومات الغربية في إدانة الانقلاب ودعت الجنرالات لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية ، اختارت إسرائيل التزام الصمت حيال هذا الأمر ، مما عزز التصور بأن تل أبيب ترحب باستيلاء البرهان على السلطة. ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن إدارة بايدن ذهبت إلى حد أن طلبت من الحكومة الإسرائيلية التدخل في الأزمة واستخدام علاقاتها الوثيقة مع البرهان لحثه على إعادة حكومة مدنية .
 
السودان ، والنظام العسكري على وجه الخصوص ، يبحث عن حلفاء وأصدقاء. دافعهم واضح. قال ألبيرتو فرنانديز ، القائم بالأعمال السابق في سفارة الولايات المتحدة في الخرطوم ، لموقع المونيتور: “من الواضح أن إسرائيل ، في سياق اتفاقات إبراهيم ، تريد إقامة علاقات مع دول المنطقة ، وهذا منطقي ومفهوم تمامًا”. “الخطر بالنسبة لإسرائيل هو أن ارتباطها بالجيش يهدد بجعل البعد الإسرائيلي قضية من قضايا السياسة الداخلية في السودان”.  منذ الاستيلاء العسكري على السلطة ، لم تتوقف الزيارات بين الوفود الإسرائيلية والسودانية ، لدرجة أن البرهان أصبح رأس الحربة للعلاقة في وقت تجد فيه الدولة نفسها مرة أخرى معزولة دوليًا بشكل ملحوظ. قبل أسبوعين من الانقلاب ، أجرى وفد عسكري سوداني محادثات مع مسؤولين من مكتب رئيس الوزراء والموساد في إسرائيل ، حسبما أفاد موقع أكسيوس. وفي أوائل نوفمبر ، سافر وفد من الموساد إلى الخرطوم للقاء مسؤولين عسكريين.
 
ثم ، في يناير 2022، أفادت قناة “ كان 11 ” الإسرائيلية أن وفداً إسرائيلياً وصل الخرطوم  بعد توقف في شرم الشيخ ، مصر ، لإجراء محادثات مع البرهان وقادة عسكريين آخرين. وفي 9 فبراير ، أفادت كل من رويترز وكان أن مسؤولًا كبيرًا في الحكومة العسكرية السودانية كان في إسرائيل في زيارة أخرى غير معلنة .  وتعليقًا على ما يجب أن يستفيده الجنرالات السودانيون من علاقة أوثق مع إسرائيل ، قال جهاد مشامون ، الباحث والمحلل في الشؤون السودانية ، للمونيتور: “إنهم يريدون استخدام قدرة اللوبي الإسرائيلية في واشنطن للحصول على دعم الولايات المتحدة في رؤية الجيش كشريك قادر على الحفاظ على السلام والأمن في إفريقيا والشرق الأوسط “. وقال: “البرهان والجيش يركزون على عمليات مكافحة الإرهاب مع إسرائيل من أجل تحسين صورتهم في الولايات المتحدة وجعلها تشعر أن الجيش قوة قادرة وحليف أمني موثوق”. قال جيزولي: “على مستوى آخر ، يتطلع البرهان وزملاؤه الضباط إلى الاستفادة من الخبرة الإسرائيلية في المراقبة والسيطرة على الحشود. تستخدم شرطة الخرطوم بانتظام الظربان ، وهو ابتكار إسرائيلي في تكنولوجيا القمع ، ضد المتظاهرين “.   بالنسبة لإسرائيل ، من ناحي أخرى ، أشار فرنانديز إلى أن السياق الحالي يمثل تحديًا “بين الفوائد قصيرة الأجل والمكاسب طويلة الأجل”. وأضاف: “من مصلحة إسرائيل أن تكون لها علاقة طويلة الأمد ودائمة وقوية مع السودان ، وليس مع طرف ، وخاصة حزب عسكري ، في وضع متقلب للغاية”.