بقلم/ماجد كامل
للشهيد العظيم مارجرجس مكانة هامة في قلوب الأقباط فهو "أمير الشهداء "و"أبو حربة الروماني" و"سريع الندهة " وفي احتفالات الكنيسة القبطية أكثر من عيد للشهيد مارجرجس ؛ فهناك عيد استشهاده ويقع في 23 برمودة الموافق 1 مايو ؛ وهناك عيد آخر يوم 16 أبيب الموافق الموافق 23 يوليو تذكار نقل أعضاء مارجرجس إلي كنيسته الآثرية بمصر القديمة ؛وهناك 7 هاتور الموافق 16 نوفمبر تكريس أول كنيسة في العالم علي أسم الشهيد مارجرجس .
؛3 بؤؤونة الموافق 10 يونيو تذكار بناء أول كنيسة علي أسمه في بلدة برما مركز طنطا محافظة الغربية أما عن سيرة مارجرجس نفسه فهو ولد في كبادوكيا قرب فلسطين الحالية من أب يدعي "أنسطاسيوس "وأم تدعي "ثاؤبستا" ؛وأهتم الوالدان بتربيته تربية مسيحية حقيقية ؛ولقد توفي والده عندما كان مارجرجس في سن 17 سنة وكان يعمل قائدا كبيرا في الجيش ؛ فطلب الإمبراطور من أبنه جرجس أن يعين مكانه قائدا للجيش ؛وعندما لمس بطولته وشجاعته عينه قائد مائة ؛وعندما رأي الأمبراطور دقلديانوس النمو المتزايد للمسيحية أصدر منشورا بخضوع جميع أفراد الأمبراطورية للأمبراطور ؛والسجود للإلهة أبولون وأرطاميس ؛ثم قام بتعليق هذا المنشور في الميادين الكبري ؛فما كان من الفارس الشجاع مار جرجس إلا أنه قام بتقطيع المنشور أمام الجميع ؛وعندما مثل جرجس أمام الأمبراطور أصر علي إعلان إيمانه المسيحي أمامه فما كان من الأمبراطور إلا أن أن أستشاط غضبا ؛وأمر بتعذيب القديس حتي يرجع عن رأيه ويجحد مسيحيته ويسجد لإلهة الرومان ؛ ومن هنا مر جرجس بسلسلة طوية من العذابات أستمرت حوالي 7 سنوات وقيل أنه وصل في ثلاث مرات إلي حافة الموت ؛ولكن في كل مرة كان الرب ينجيه ويقيمه مرة أخري ؛وخلال هذه السنوات السبع ذاق الشهيد جميع أنواع العذابات تحمل جميعها في صبر وشجاعة ؛وأخيرا عندما يئس منه الأمبراطور من إرجاعه عن إيمانه المسيحي أمر بقطع رأسه ؛وكان ذلك في عام 307 م تقريبا .
ومن أشهر المؤرخين الذين كتبوا عن سيرة مارجرجس يوسابيوس القيصري ( 260- 340 م ) والملقب بأبو التاريخ الكنسي وذلك في الفصل الخامس الجزء الثامن من موسوعته الشهيرة "تاريخ الكنيسة " والأسم الأصلي لجرجس هو "جوارجيوس " وهو مكون من مقطعين ؛المقطع الأول هو "جي " ومعناها الأرض باللغة اليونانية ومنها جاء علم الجيولوجيا Geology ومعناه علم طبقات الأرض ؛المقطع الثاني هو "أرجيوس Ergios" ومعناه "عامل " باللغة اليونانية ؛فيكون معني الأسم مكتملا هو "العامل بالأرض " أو "الفلاح " ومن مشتقات الأسم "جورجي " و"كركي "باللغة الأرمنية ؛و"جورج "باللغة الإنجليزية ومنها "سان جورج " ؛وبالعربية يختصر الأسم إلي "جرجس " . ومؤنث الأسم هو "جورجينا ". أما لفظ "مار" التي تسبق أسمه فهي كلمة سريانية ومعناها "السيد " باللغة السريانية ومؤنثها هو "مارت" ومعناها "سيدة" .
والشهيد العظيم مارجرجس له مكانة كبري ليس في مصر وحدها بل في العالم كله ؛ ؛ فلقد ثبت البابا جلاسيوس الأول بابا روما أسم مارجرجس قائمة القديسين في مجمع عقد بروما عام 404 م ؛ أما البابا غريغوريوس الكبير ( 950- 604 ) فلقد أنشأ في روما كنيسة صغيرة علي أسم الشهيد لا تزال قائمة حتي اليوم ؛ وفي سنة 1404 تأسست ببلدة ألجا Alga بالقرب من البندقية جمعية من الكهنة الكاثوليك أتخذوا أسم الشهيد مارجرجس شفيعا لهم. وفي انجلترا وفي عام 1222م عقد مجمع في أوكسفورد وقرر أن يكون عيد استشهاد القديس عيدا قوميا وان يعلن عطلة رسمية في طول البلاد وعرضها . وفي عهد الملك ادوارد الثالث ( 1327- 1377 ) أصبح الشهيد مارجرجس شفيعا وحاميا لإنجلترا كلها .وزادوا علي ذلك بأن صكوا علي عملتهم الذهبية رسمه التقليدي وهو يمتطي جوادا ويضرب برمحه التنين .
وفي روسيا يعتبرون الشهيد مار جرجس حاميا لهم ؛فكانوا يرسمون صورته علي حصونهم ؛ولقد أنشأت الأمبراطورة كاترين الثانية في عام 1769 وسام الشهيد مكافأة للمجاهدين في الحياة العسكرية.
وفي اليونان يعتبرونه هو شفيعهم ؛ ويشيدون علي أسمه الكنائس والأديرة الكثيرة ؛ويلقبونه بالظافر أو حامل علامة الظفر ؛كما يصفونه بالشهيد العظيم ورئيس الشهداء .
وعودة إلي مصر مرة أخري ؛ فعدد الكنائس التي علي أسم الشهيد لا تقع تحت حصر ؛ولا سيما في القرون المتأخرة ؛ ويذكر البعض أن نصف عدد الكنائس في مصر علي أسم الشهيد مارجرجس . نظرا لإيمان الكثيرون منهم بقدرته العجيبة علي حل المشاكل ؛ومن هنا لقب ب"سريع الندهة " .
ملحوظة هامة :-
ظهرت بعض الدراسات الحديثة التي تذكر أن استشهاد مارجرجس كان في عصر الإمبراطور الفارسي " ديداينوس " وليس الإمبرطور الروماني "دقلديانيوس " كما هو معروف ومتداول ؛ والأمر متروك للباحثين للدراسة هذا الموضوع والتحقق منه ؛ فالشهيد العظيم مارجرجس شهيد عالمي كما رأينا سابقا ؛ ويجب دراسة كل السنكسارات المقارنة في كل الكنائس العالمية التي توجد كنائس علي أسمه .
ومن أشهر مزارات مارجرجس في مصر هو مزاره الشهير بميت دمسيس Damsis ؛ومزاره الشهير بجبل الرزيقات بقنا ؛ وأخيرا مزاره الشهير بمنطقة مصر القديمة ؛ فعن ميت دمسيس فهي أحد قري محافظة الدقهلية وتبعد عن ميت غمر بحوالي 15 كم ؛ وكلمة "ميت" معناها قرية باللغة المصرية القديمة ؛ و"د" أدا تعريف للمفردة المؤنثة "وأخيرا أسم إيزيس الملكة المصرية الشهيرة ؛فيكون معني الأسم هو "قرية الملكة إيزيس " . أما الرزيقات فهي تقع علي بعد 30 كم غرب مدينة الأقصر وهو دير حديث نسبيا أنشيء في نهاية القرن التاسع عشر ما بين عامي 1850 و1870م ؛وللدير 21 قبة مبنية كلها بالطوب اللبن ؛وأرمنت تبعد عن مدينة القاهرة حوالي 691 كم وتقع علي الضفة الغربية لنهر النيل وتبعد عن مدينة الأقصر حوالي 20 كم ؛وكانت لها مكانة كبري في العصر الفرعوني نظرا لقربها من العاصمة "طيبة "أو الأقصر الحالية ؛ وكانت تعرف قديما بأسم " أيون منت " أي مدينة الإله منتو ؛ وفي اللغة القبطية عرفت بأسم "هرمنت " ويقال أنها هي المدينة التي ولد فيها أخناتون وتربي علي يد كهنتها .
أما عن ديره بمنطقة مصر القديمة ؛ فهو يقع داخل نطاق حصن بابليون ؛ وهو الحصن الذي بناه الأمبراطور "تراجان" ( 98- 104 م ) وقام الأمبراطور أركاديوس ( 395- 408 ) بتوسيعه عام 395 م وهو الحصن الذي دخل عمرو بن العاص إلي مصر عن طريقه ؛حيث فرض عليه الحصار في 9 ابريل 641م وأستمر الحصارمدة حوالي 7 أشهر حتي أستسلم الحصن ؛ولقد أطلق عليه العرب أسم "قصر الشمع"أما عن كنيسة ماجرجس فيقال عنها أنها بنيت في القرن السابع الميلادي حوالي عام 684م تقريبا بواسطة "اثناسيوس " وهو كاتب الوالي عبد العزيز بن مروان ( 684- 703 م ) أما عن دير الراهبات فلقد ذكره المقريزي في خططه وقال عنه "دير البنات بقصر الشمع وهو علي أسم أبو جورج" " كما ذكره الأب "فانسليب " ( 1635 – 1679 م) "وهو راهب كاثولويكي يتنمي إلي رهبانية الدومنيكان ؛وكان قد زار مصر حوالي عام 1671 تقريبا وكتب عنها تقريرا ؛ولقد ترجم هذا التقرير ضمن أصدرات المشروع القومي للترجمة تحت رقم 1005 ؛ وقام بترجمة التقرير الأب وديع أبو الليف الفرنسيسكاني ؛وقدم له أ.د .محمد عفيفي " كما ذكره الأب الرحالة "جوليان وهو من علماء الحملة الفرنسية " في كتاب وصف مصر ؛ويوجد بالدير سلسلة قيل أنها هي السلسلة التي تعذب بها الشهيد ؛ويوجد في دير مارجرجس للروم الآرثوذكس بنفس المتطقة سلسلة مماثلة مع بعض أدوات التعذيب الأخري التي تعذب بها الشهيد ؛وهي معروضة في حوش الكنيسة .
وتبقي كلمة أخيرة عن مارجرجس في الفلكلور القبطي ؛وهي تمثل مارجرجس ممطتيا الحصان ويقتل التنين تحت أقدامه ؛وفي طرف الصورة توجد فتاة صغيرة واقفة تصلي ؛ وتروي الأسطورة عن هذه الصورة أنه كان يوجد تنين كبير يسكن أحد الأنهار في مدينة بيروت ؛وكان يطلب كل سنة عروس صغيرة تقدم له كأضحية ؛وذات مرة طلب بنت السلطان وكانت ذات جمال خارق ؛كما كانت لها شعبية كبيرة في المدينة كلها ؛فوقع الملك في مأزق ؛فهو لا يستطيع كسر طلب التنين ؛ كما أنه لا يستطيع التضحية بأبنته الوحيدة ؛ وقبل أن يلقوا بالفتاة في النهر صرخت الفتاة والجموع معها مستغيثين بمارجرجس ؛ فظهر الفارس مارجرجس فجأة ودارت معركة كبري بين مارجرجس والتنين أنتهت أخيرا بمقتل التنين ونجاة بنت الملك من الموت ؛ هذه هي قصة الأسطورة ؛أما نحن فننظر إلي الأيقونة بمعني رمزي ؛فالتنين هنا هو الشيطان الذي يريد تضليل المؤمنين ؛ والفتاة التي تقف بعيدا هي الكنيسة التي تنتظر جهاد أبناؤها وأنتصارهم علي الشيطان ؛وفي أحيان كثيرة وفي أيقونات أخري تظهر فتاة صغيرة ممسكة بوسط مارجرجس وراكبة معه علي الحصان ؛ وهذه الفتاة ترمز إلي المرأة الساقطة التي حاولت إغواء البطل الشهيد وإسقاطه في الخطية ؛فضغط الشهيد علي لسانه حتي جرحه ونزف الدم ؛وبصق كمية من الدم في وجه المرأة الساقطة ؛فصعقت المرأة من هذا التصرف وقررت التوبة والإيمان بالسيد المسيح ؛ فغضب منها الأمبراطور وقرر قطع رأسها بالسيف ؛وقبل أن تستشهد ألتفت إلي مارجرجس وقالت له " لقد أتيت إليك لأسقطك بسحر جمالي ؛فإذا بك أنت الذي تسقطني بسحر طهارتك " ويري بعض المؤرخين أن هذه الأيقونة لها جذور في الفن المصري القديم حيث توجد لوحة حورس وهو يقتل "ست" إله الشر ويرمز له علي شكل التنين . ومن المواويل الشعبية الجميلة التي تقال تحية لمارجرجس هذا الموال :-
يا مارجرجس ع الجبل صلينا
واحنا النصاري والصليب ف ايدينا
يا مارجرجس ع الجبل ركعنا
واحنا النصاري والصليب رفعنا
ويذكر الباحث "عصام ستاتي" في كتاب "مقدمة في الفولكلور القبطي " مديحة شعبية لمارجرجس يرويها أحد المنشدين تقول بعض كلماتها :-
مالي الدنيا دي مالي
جلبي "أي قلبي " حبك ياروماني
يا صاحب السيط العالي
إنت كنزي وراسمالي
ولا فيش غيرك علي بالي
وهناك موال آخر ذكره الأستاذ روبير الفارس في كتاب "في الفولكلور القبطي " تقول بعض كلماته :-
أصل الروماني رماني في بلاد قبلي
علي حكاية حصلت من زمان قبلي
جت الأدلة الكتب في الكنائس
في الزمان قبلي
تعبان جبار يسد الميه بلسانه
ضربوا القرعة وقعت علي بنت رجل سلطان
البنت نادت
غيثني قوام ياروماني
ياصاحب الحربة والرمحين يا روماني
نظرته علي المهرة "الحصان" جاي يتمخطر
والحربة في إيده ضربها بهدل التعبان
والبنت تقول
شوف فعل الروماني موت التعبان .