في محاولة جديدة لكبح معدلات التضخم المرتفعة في الولايات المتحدة، والتي وصلت لأعلى مستوياتها منذ أكثر من 4 عقود، رفع الفيدرالي الأميركي معدل الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، في أكبر وتيرة زيادة للفائدة خلال 22 عاما منذ العام 2000.
كما قرر الفيدرالي الأميركي، أو البنك المركزي الأميركي، خفض ميزانيته البالغة قيمتها 9 تريليون دولار، وذلك بعد أن كان قد رفع سعر الفائدة ربع نقطة مئوية في شهر مارس المنصرم.
ويبدي خبراء اقتصاديون مخاوفهم من عدم قدرة هذه الإجراءات في ضبط وحش التضخم الذي يفتك بالاقتصاد الأكبر عالميا، معللين ذلك باستمرار العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا وما ينجم عنها من شح في السلع والمواد الغذائية والمصادر ومشتقات الطاقة وارتفاع أسعارها في الولايات المتحدة وحول العالم.
فالعقوبات الغربية على روسيا، كما يؤكد محللون وخبراء، بات واضحا أنها سلاح ذو حدين، ارتد بتداعياته السلبية الكبيرة كذلك على الدول المشاركة في فرض العقوبات وعلى اقتصاداتها ولا سيما اقتصادي الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، حيث يشهدان معدلات تضخم قياسية هي الأعلى منذ عقود.
وفي السياق، يرى مراقبون أن السبيل الوحيد لوقف التداعيات الاقتصادية الكارثية للحرب الأوكرانية على الأمنين الغذائي والطاقي، وعلى استقرار أسواق النفط والغاز العالمية، وما فجرته من شح في الموارد والسلع والمحروقات والأسمدة وغلاء وتضخم حول العالم، يكون عبر وقف الحرب وتاليا وقف العقوبات المتبادلة بين روسيا ودول الغرب.
وتعليقا على هذه الخطوة وحظوظها من النجاح في ضبط معدلات التضخم الأميركية، يقول الخبير الاقتصادي والمتخصص في قطاع النفط والطاقة، عامر الشوبكي، في حديث مع سكاي نيوز عربية: "هذه الخطوة كانت متوقعة بطبيعة الحال، برفع أسعار الفائدة بنصف نقطة مئوية، فهي محاولة لضبط معدلات التضخم المرتفعة أميركيا، وبالتالي السيطرة على ارتفاع الأسعار المتواصل واضراره الفادح بقدرة المواطنين الأميركيين الشرائية، وهي محاولة لتحقيق موازنة ما بين ارتفاع الأسعار والمحافظة على معدلات توظيف مقبولة ونمو اقتصادي مقبول".
هذه المعادلة الدقيقة، كما يصفها الشوبكي "تبناها البنك المركزي الأميركي، عبر رفع تدريجي لأسعار الفائدة طيلة الفترة المضطربة الماضية، ومتوقع أن يكون هناك نحو 3 ارتفاعات مقبلة في أسعار الفائدة لضبطها خلال الأشهر القليلة القادمة، لكن التخوفات العميقة تتمحور حول عدم قدرة هذه الاجراءات على ضبط معدلات التضخم الأميركية المرتفعة".
ويردف قائلا: "وبالتالي ثمة تخوف واسع النطاق من حصول الركود التضخمي، كونه مع فرض العقوبات الأميركية على روسيا وتشديدها ومحاولات موسكو بالمقابل صدها وعكسها على الجانب الغربي، يخشى أن يتواصل ارتفاع أسعار السلع والطاقة في الولايات المتحدة وحول العالم وبشكل أكثر حدة وتصاعدية".
ويسترسل الخبير المتخصص في قطاع النفط والطاقة في شرح التحديات التي تعصف بالاقتصاد الأميركي على وقع الحرب الأوكرانية، بالقول: "خاصة وأن ثمة نية أوروبية لفرض حزمة سادسة من العقوبات على روسيا، قد تشمل فرض عقوبات على قطاع النفط الروسي هذه المرة، وفق ما اقترحته المفوضية الأوروبية".
ويوضح "هذا الاحتمال رقع سعر البرميل إلى ما فوق 110 دولارات، وبالتالي فارتفاع أسعار النفط هذا سيقلل لحد كبير من جدوى وفاعلية القرار الأميركي برفع أسعار الفائدة، لضبط معدلات التضخم التي ستبقى في حالة ارتفاع بسبب ذلك".
ووفق مؤشر أسعار المستهلك الصادر عن وزارة العمل الأميركية في شهر أبريل الماضي، فقد ارتفعت الأسعار بنسبة 8.5 في المئة على مدى عام واحد، و1.2 في المئة على مدى شهر واحد فقط في مارس الماضي، بعدما زاد بنسبة 0.8 في المئة في فبراير، وهو ما يظهر مدى تعاظم التأثير السلبي للحرب الأوكرانية في هذا السياق.
وأوضحت الأرقام الرسمية الأميركية أن أسعار الوقود وحدها ارتفعت خلال شهر مارس، بنسبة 18.3 في المئة مقارنة بشهر فبراير، وتمثل بذلك أكثر من نصف حجم التضخم، وأن أسعار السكن والغذاء ساهمت كذلك في ارتفاع معدلات التضخم.