لا يكاد يخلو أى لقاء اجتماعى من الرغى والتندر بتأجيل كل شىء لبعد إجازة العيد الطويلة.. والمضحك هذا العام أنك لم تكن تدرك أى عيد يقصد محدثك، فعندما يراودك الأمل أن تنجز مصلحتك بعد عيد القيامة إذا كان محدثك مسيحيا، تفاجأ بأنه يقصد بعد عيد الفطر، فى تواؤم بديع لا يمكن أن تصل إليه أنجح حملات «الوحدة الوطنية» والشعارات البائسة، مثل «عنصرى الأمة» و«شركاء الوطن»، إلا أن الخمول والتواكل صهرا المصريين جميعا فى بوتقة لا تستطيع أن تفرق الكسلان فيها عن الآخر.
 
وبين طيات الرغى، لم يخلُ الأمر أبدا من بعض الأطروحات النميسة من البعض عن الهدف من إجازة البنوك والمصالح والشركات التى تتجاوز ثلث الشهر.. وفسر البعض ذلك بالرغبة فى تجميد السوق ومنع الأسعار من الارتفاع بإيقاف التعاملات المالية لفترة، بينما صاحبَ تلك الأطروحات الكلام عن غلاء الأسعار بعد فقدان الجنيه أكثر من 17% من قيمته أمام العملات الأجنبية، وهو الكلام الذى يحمل الكثير من اللغط والارتباك.
 
حيث يحتمل الطرح بعض الموضوعية، مثل أسعار بعض السلع الغذائية أو المواد البترولية ومثل الزيوت وقطع الغيار، بينما نجد الكثير من المبالغات فى أحيان أخرى عن قصص منقولة من فلان عن فلان عن أسعار مهولة لبعض الخدمات، وتحكى على سبيل الضحك أو جلب الاندهاش والاهتمام، بينما تحيط بأغلب تلك القصص هالات من الشك وسحابات المبالغة.
 
وفى أحيان أخرى، يتجاوز الرغى موضوع الغلاء إلى بحث أسباب الغلاء، حيث يعزو الكثيرون ذلك إلى الاقتصادات التى أصيبت بالعطب نتيجة انتشار كوفيد-19 وما تلاه باندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، ليأخذنا الرغى الاجتماعى والإعلامى إلى أسباب الحرب التى يفسرها البعض برغبة الغرب فى كبح جماح الأطماع الروسية فى بعض دول الاتحاد السوفيتى القديم، ويرجعها آخرون لقوة فلاديمير بوتين، البطل صاحب القوة الكافية لمجابهة قوى الغرب التى تتسم بمعايير مزدوجة فيما يتعلق بأصول العمل السياسى والتدخل فى شؤون الدول الأخرى.. بينما يجرّنا نفس الرغى إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، ومجابهة روسيا لها بمحاولة فرض بيع النفط بالروبل الروسى، ووقف الإمدادات البترولية عن دول معينة تعد من الأعداء، وما جابه ذلك من دعوات دول الاتحاد الأوروبى لمقاطعة النفط الروسى ومحاولة البحث عن بدائل.
 
فى الوقت الذى تصدح فيه بعض الأصوات بالتغنى بالتجربة الروسية، وعلى الأخص التجربة البوتينية غير القابلة للاستنساخ أو التقليد، حيث يعد البعض روسيا عصية على التأثر بالعقوبات الاقتصادية مثل الدول الصغيرة، لأنها تملك من الموارد الكافية من الغذاء والنفط، بالإضافة إلى قدراتها العسكرية وعلاقاتها الدبلوماسية المتميزة مع الكثير من دول العالم المؤثرة، مثل الصين والهند، ومن ثم من الصعب تجويعها، وبالتالى من المستحيل تطويعها.. وبينما يتحدث البعض عن انتهاء الحرب لاستنفاد كل الأطراف الأهداف السياسية والاقتصادية منها، إلا أن آخرين يتحدثون عن بقاء الوضع كما هو عليه لفترة قادمة قد تطول أو تقصر، بل قد تؤدى إلى حرب عالمية ثالثة بكل تأكيد.
 
اللطيف فى ذلك أن الرغى يخرج بنتائج عن الشىء وعكسه فى كل الشؤون المحلية والدولية بيقين ودون أى شك، فى محاولة لتفسير العالم بمزيج من السطحية والبساطة.. أما المزعج أن القليلين فقط هم الذين يدركون أن الآراء يجب أن تُبنى على معلومات، وأن المسائل تحمل أكثر من وجهة نظر وتؤدى إلى أكثر من نتيجة لوجود درجات متعددة للون الرمادى بين الأبيض والأسود، أما الحلول فتُبنى على الدراسة والتحليل على أسس أن المقدمات تؤدى إلى نتائج، ويدرك هؤلاء القلة أن الخطر الحقيقى أن يترك الإنسان أذنيه نهبا للغو الرغايين دون غربلة أو انتقاء.
نقلا عن المصري اليوم