الخبير القانونى والمحامى بالنقض هانى صبرى 
أعادة واقعة وفاة مارينا صلاح بسبب الإهمال الطبي وهي شابة في مقتبل العمر، إلى الأذهان ملف الإهمال والأخطاء الطبية الذي أدى لوفاة العديد من المواطنين وعلى رأسهم مشاهير من الإعلاميين والفنانين أبرزهم – على سبيل المثال لا الحصر – الإعلامي وائل الإبراشي، والفنانة سعاد نصر، فمنهم من لقى حتفه بينما عانى آخرون من غيبوبة تامة، واضطر بعضهم لإجراء أكثر من عملية جراحية حتى عادوا لحياتهم الطبيعة، ويعتبر الإهمال الطبي من الجرائم الخطيرة، التي تواجه مجتمعنا ولابد من تدخل تشريعى لمواجهته.

بالأمس – توفيت مارينا صلاح بسبب الإهمال الطبي وهى شابة في مقتبل العمر، حيث ذهبت لمستشفي عيون شهيرة بمنطقة مصر الجديدة لعمل أشعة بالصبغة على العين، إلا أن المستشفى لم تقم بأية اختبارات حساسية لها قبل إجراء الإشعة، وتوفيت نتيجة الإهمال الطبي الجسيم، ناهيك عن إن المستشفي ليس فيها غرفة عناية مركزة واحدة للمرضي – بحسب المحامى فريد جلال محامى أسرة الضحية – ما يشير معه إلى قمة الإهمال والعبث بحياة المواطنين، حيث تركت الأم طفلها الصغير "ٓأدم"، وزوجها وأسرة مكلومة علي فراقها.  

الإهمال الطبي يحصد أرواح الأبرياء
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية فى غاية الأهمية تتعلق بالأخطاء الطبية، واستهتار بعض الأطباء والمستشفيات عند عملية العلاج التي تهدد حياة المرضى، فرغم التطور الكبير الذي شهدته المستشفيات وأساليب العلاج، فإن الأخطاء الطبية لا تزال تقع، وهناك حالات من الإهمال الطبي عديدة ويجب مواجهة هذا الأمر بكل حزم وفقاً للقانون، حيث تعتبر جريمة الإهمال الطبي من الجرائم الخطيرة، التي تواجه مجتمعنا، بسبب وجود أخطاء طبية أثناء عمل الطبيب، الأمر الذى من الممكن أن يتسبب فى إصابة المريض بعاهة مستديمة أو يتسبب هذا الخطأ في أن يودي بحياة المريض – بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض هانى صبرى.

في البداية - الأخطاء الطبية، تخضع للقواعد العامة في المسؤولية، متى وقع الخطأ الطبي الذي يتمثل في إنحراف الطبيب عن الأصول العلمية والمهنية في علاج مريضه، سواء في صورة إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة للقوانين والأنظمة، فإن هذا الخطأ يُرتب مسؤولية الطبيب الجنائية والمدنية نتيجة الضرر الذي ألحقه بالمريض، وأن الخطأ في الجرائم غير العمدية هو الركن المميز لهذه الجرائم، فالمسؤولية الطبية تقوم سواء أكان خطأ الطبيب جسيماً أم يسيراً، وإن أي درجة من درجات الخطأ تكفي لقيام المسؤولية الطبية، والمهم هو أن يثبت هذا الخطأ بشكل يقيني – وفقا لـ"صبرى".

المسؤولية الطبية تقوم سواء أكان خطأ الطبيب جسيماً أم يسيراً
فالطبيب يسأل عن أخطائه ولو كانت يسيرة فالخطأ اليسير قد يؤدي إلى نتائج فادحة، والخطأ الجسيم قد يتم تدارك نتائجه، فيكفي لقيام المسؤولية الطبية بوقوع الخطأ الطبي أياً كانت درجته، فإن جسامة الخطأ تكون معتبرة في تحديد حجم المسؤولية المترتبة على الطبيب، فقد يؤدي خطأ الطبيب إلى وقوع جريمة إيذاء غير مقصود أو إيذاء مفضي إلى عاهة مستديمة أو جريمة قتل غير مقصود، وقد تبلغ الجسامة حد الجريمة المقصودة – الكلام لـ"صبرى".

ومن المقرر وفقاً لما استقرت عليه أحكام محكمة النقض أن إباحة عمل الطبيب مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقاً للأصول العلمية المقررة، فإذا فرط في اتباع هذه الأصول أو خالفها حقت عليه المسؤولية الجنائية والمدنية متى توفر الضرر، بحسب تعمده الفعل ونتيجته أو تقصيره وعدم تحرزه في أداء عمله، وأياً كانت درجة جسامة هذا الخطأ، وأن العلاقة بين الطبيب والمريض هي علاقة عقدية، والمسؤولية عقدية تحتم على الطبيب بذل العناية اليقظة التي تمليها أصول المهنة، وقد يصل التزام الطبيب إلى التزام بتحقيق النتيجة المتفق عليها مع المريض، وليس فقط بذل العناية اليقظة، وذلك في بعض أنواع الجراحات منها التجميلية.  

لماذا تظل المسئولية الجنائية قائمة على الطبيب؟
وإذا كان الطبيب عاملاً في مستشفى فإن المسؤولية المدنية والحالة تلك تكون تضامنية تجاه الطبيب والمستشفى، ما يبرز أهمية التأمين في مجال الأخطاء الطبية والتعويض عن الضرر، ولكن المسؤولية الجنائية تبقى قائمة على الطبيب، لأن الخطأ الطبي يرتب مسؤولية جنائية ومدنية، وتحديد معيار الخطأ الطبي، يختلف بين الطبيب العام والطبيب الأخصائي، حيث يضاف إلى الأخير معيار شخصي يتمثل في مستواه المهني، للحكم على مسلكه كأخصائي، ويقاس على أقرانه من ذوي الاختصاص، إلى جانب المعيار الموضوعي المتمثل في اتباع الأصول العلمية والمهنية المستقرة.

إن واجب الطبيب في بذل العناية مناطه ما يقدمه طبيب يقظ، من أواسط زملائه علماً ودراية، في الظروف المحيطة به أثناء ممارسة عمله، مع مراعاة تقاليد المهنة والأصول العلمية الثابتة، وإنَّ انحراف الطبيب عن أداء واجبه وإخلاله بالتزامه المحدد يعد خطأ يستوجب مسؤوليته عن الضرر الذي يلحق بالمريض، ما دام هذا الخطأ قد تداخل بما يؤدي إلى ارتباطه بالضرر ارتباط السبب بالمسبب وتوافر علاقة السببية بين الخطأ والضرر والنتيجة.


تصدى قانون العقوبات لجريمة الإهمال الطبي
وقد تصدى قانون العقوبات لجريمة الإهمال الطبي: حيث نصت المادة 244 من قانون العقوبات، على أنه من تسبب خطأ في جرح شخص أو إيذائه بأن كان ذلك ناشئًا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين إذا نشأ عن الإصابة عاهة مستديمة أو إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالًا جسيمًا بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطيًا مسكرًا أو مخدرًا عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك، وتكون العقوبة الحبس إذا نشأ عن الجريمة إصابة أكثر من ثلاثة أشخاص، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين.   


أين قانون المسؤولية الطبية؟
جدير بالذكر أننا في حاجة ماسه إلى تنظيم قانوني للمسؤولية الطبية، يعالج مختلف جوانبها الموضوعية والإجرائية؛ وبخاصة طبيعة العلاقة بين الطبيب والمريض، ومفهوم الخطأ الطبي، ومعياره، ومراحله في التطبيق من حيث التشخيص والعلاج والجراحة، والقواعد الخاصة بإثبات الخطأ الطبي، والتأمين على المسؤولية الطبية، وسجل الأخطاء الطبية  ..إلخ.

ومسألة غياب التشريع الخاص بالمسؤولية الطبية، من شأنه أن يفتح المجال للكثير من الاجتهاد، وإنْ شئت قُل العشوائية واللامبالاة، وقتل الأبرياء والدوران في حلقات مفرغة، وقد نصبح أمام ببيئة خصبة لاستمرار الأخطاء الطيبة في ظل غياب المحاسبة، لذلك يجب معاقبة كل من تسبب في قتل مارينا، ومعاقبة كل من تسول له نفسه العبث بحياة المرضي الأبرياء، كما نناشد مجلس النواب استصدار مشروع قانون للمسؤولية الطبية للمحافظة علي حياة المواطنين وحمايتهم من الأخطاء الطيبة.  


طلب إحاطة بشأن وفاة مارينا صلاح سركيس
يشار إلى أن النائب إيهاب المطاوي، وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس، تقدم بطلب إحاطة إلى كلا من رئيس مجلس النواب والقائم بأعمال وزير الصحة بشأن دور قطاع العلاج الحر فى متابعة ورقابة المستشفيات الخاصة، لاسيما مع تكرار حالات الأخطاء الطبية الجسيمة وآخرها حالة مارينا صلاح، ابنة روض الفرج، والتي توفيت نتيجة خطأ طبي جسيم داخل المستشفى الوطني للعيون، أعمالا لنص المادة "134"والمادة "212" من اللائحة الداخلية لمجلس النواب، وذلك بعد أن سيطرت واقعة وفاة مارينا صلاح سركيس، أثناء إجراء فحوصات داخل أحد مستشفيات العيون الخاصة بالقاهرة، على مناقشات أعضاء البرلمان خلال الجلسة العامة اليوم، بحضور الدكتور خالد عبد الغفار، القائم بأعمال وزير الصحة والسكان.