محرر الأقباط متحدون
استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم الاثنين في الفاتيكان وفدا من منظمة الخدمات اليهودية الدولية "بناي بريث" أو (أبناء العهد).
وجه الحبرالأعظم لضيوفه خطاباً استهله مرحباً بهم ومعربا عن سروره للقائهم في الفاتيكان، خصوصا وأن زياراتهم استُؤنفت بعد أن توقفت لمدة سنتين بسبب جائحة كوفيد ١٩. وأضاف البابا أن هذه المؤسسة، يربطها تاريخ طويل من العلاقات مع الكرسي الرسولي، منذ صدور الإعلان المجمعي "في عصرنا"، وخلال العقود الماضية – تابع قائلا – انكبت المؤسسة على العمل الإنساني، ومارست التضامن حيال الأشخاص المحتاجين إلى المساعدة، خصوصا وأن المساعدة والأمل هما حق من حقوق هؤلاء الرجال والنساء. وأكد البابا أن واجب الاعتناء بالآخرين يعني جميع الأشخاص، وخصوصاً اليهود والمسيحيين، لأن مساعدة المحتاجين تعني بالنسبة لنا تلبية رغبة الله العلي الذي يحمي الغرباء ويعضد اليتيم والأرملة، كما يقول سفر المزامير. بمعنى أن الله يعتني بفئات المجتمع الأكثر ضعفا وتهميشاً.
مضى البابا فرنسيس إلى القول إن مساعدة الآخِرين والفقراء والمرضى هي الدرب الملموسة من أجل تعزيز الأخوة، وأضاف أنه إذا فكرنا بالعديد من الصراعات وبأوضاع التطرف الخطير، التي تعرض للخطر أمن الجميع، ينبغي أن نلحظ أن العنصر الأكثر خطورة يتمثل غالبا في الفقر المادي والتربوي والروحي، الذي يصير تربة خصبة تغذي الحقد والغضب والإحباط والراديكالية.
هذا ثم ذكّر البابا فرنسيس ضيوفه أننا نعيش في حقبة أصبح فيها السلام عرضة للخطر في مختلف أنحاء العالم: ثمة توجهات قوية، يدفعها جشع الربح والمصالح الأنانية ويبدو أن هذه التوجهات باتت سائدة اليوم. وهكذا ينمو خطر التعرض للكرامة البشرية. وبغية تفادي التصعيد في أعمال الشر، لا بد من اكتناز ذكريات الماضي، والنظر إلى الحروب وتذكّر المحرقة النازية (الهولوكوست)، والعديد من الممارسات الوحشية الأخرى.
لم تخل كلمة البابا من الإشارة إلى الذاكرة الروحية المشتركة التي تجمع بين اليهود والمسيحيين، وتشهد لها صفحات الكتاب المقدس، عندما تتحدث عن أول ممارسة للعنف، وعن قتل قايين لأخيه هابيل. وهو يجيب قائلا "أحارسٌ لأخي أنا؟". لقد أنكر قايين أنه يعرف مكان تواجد أخيه الذي قتله للتو، ولا يهمه أمره: فالعنف يكون دائماً مرفقاً بالكذب واللامبالاة.
تابع البابا قائلا: أين أخوك؟ لنطرح على أنفسنا هذا السؤال باستمرار. لا يسعنا أن نستبدل الحلم الإلهي المكون من عالمٍ من الأخوة، بعالم يتألف من أبناء وحيدين، عنيفين وغير مبالين. وإزاء العنف واللامبالاة، تعيدنا الأسفار المقدسة إلى وجه الأخ، إلى الأمانة لهويتنا ولإنسانيتنا التي تقاس بمعيار الأخوّة وبمعيار وجه الآخر.
بعدها توقف البابا عند السؤال الذي طرحه الله على آدم، قائلا له "أين أنت؟"، تماماً كما سأل قايين "أين أخوك؟". وقال فرنسيس إن هذين السؤالين مترابطان لأن الإنسان لا يستطيع أن يجد نفسه إن لم يبحث عن أخيه، ولا يستطيع أن يجد الرب الأبدي إن لم يعانق القريب. ومن هذا المنطلق لا بد أن نساعد بعضنا تفاديا لنمو الأحقاد وتغذية الخلافات وسط المجتمعات البشرية. وكي لا نقع ضحية الخدعة التي تقول إن العنف والحرب قادران عن حل الخلافات. إن العنف في الواقع يولد المزيد من العنف، والسلاح يولّد الموت، والحرب ليست إطلاقاً حلاً للمشاكل، بل هي هزيمة.
ولفت البابا إلى أن منطق السماء يكمن في السعي إلى كسر حلقة العنف والحقد وإلى البدء في حماية الآخر، أيا كان. وتمنى فرنسيس أن يستمر ضيوفه في العمل في هذا الاتجاه وفي الدفاع عن الأخوة والأخوات، لاسيما الضعفاء والمنسيين. وهذا ما يمكن أن نقوم به معاً لصالح الآخرِين والسلام والعدالة وحماية الخليقة.
في ختام كلمته عبر البابا عن حرصه على تعزيز الحوار اليهودي – المسيحي، وذلك مذ أن كان فتياً، حوار يرتكز إلى التلاقي بين الناس، وإلى أفعال ملموسة من الأخوّة. وقال: لنسر معاً إلى الأمام، تماشياً مع قيمنا الروحية المتقاسمة، ودفاعاً عن الكرامة البشرية في وجه العنف وبحثاً عن السلام. ليباركنا الله العلي، كي تنمو صداقتنا ونعمل معاً من أجل الخير العام.